يلفتنا في حدث العنصرة و انسكاب الروح القدس على التلاميذ أمران مميّزان، أوّلهما هو التحدّث بلغةٍ يفهمها كلّ “السامعين” مهما تنوّعت مشاربهم و تعدّدت منابتهم، وثانيهما هو التغيّر الحاصل في سلوكهم، فبعد أن استقرّ الروح عليهم محوّلًا إيّاهم إلى أدواتٍ لقدرته، انتقلوا من خوفٍ وانعزال إلى امتلاءٍ بشجاعةٍ عظيمة و إقدامٍ مبهر ليشهدوا جهارًا لقيامة المسيح المحيية.
هل العنصرة حدثٌ ماضٍ عمره قرابة الألفَي عام؟ هل نعيّد للعنصرة كنسيًّا كإحياءٍ للذكرى وللتأريخ؟ أليس بإمكان كلٍّ منّا أن يعيش العنصرة حياةً و انسكابَ حياة؟ إيماننا يصرخ بنا أن: نعم، فانسكاب الروح على القلوب هو عنصرة، وتغيّر الحياة وتجديد النفوس هو عنصرة.. وهذا يوصلنا بشكلٍ تسلسليّ لسؤال، كيف أعيش العنصرة وانسكاب الروح في قلبي؟
من أولى مواهب (ثمار) الروح هي المحبة /غلا 5، فالمحبّة هي جوهر المواهب كلّها، فالمواهب جوفاء إن لم تكن المحبّة ملأَها، وقد تظهر المحبّة ليس فقط في الأمور الكبيرة، بل أيضًا في تفاصيلَ صغيرةٍ، قد لا يعبأ بها أناسٌ كثيرون ولا يبالون، المحبة توجد في صورٍ كثيرةٍ ظاهرها عاديّ جدًّا، و باطنها عميقُ الأثر بالغ التأثير.. قد تظهر في ابتسامةٍ صادقة ومتعاطفة في وجه شخصٍ يشعر بالوحدة والغربة، وتتجلّى في إصغاءٍ حاضنٍ أمام إنسانٍ مجروحٍ وبائس، وهي تُلمس في انتباهٍ قلبيّ مُراعٍ لخجلِ شخصٍ مرتبك، وفي مبادرةٍ بمساعدة لم تُطلب خجلًا أو تصاغرًا، وتلمع في لفتةِ إعجابٍ وتشجيع على عملٍ طيّب “على بساطته”..
مَن يحبّ يكون لطيفًا مع الجميع وبالأخصّ مع ذاك الذي يظنّ أنّ اللطف مكرمةٌ فوق ما يستحقّ، مَن امتلكه الحبّ يبذل كلّ جهده مع أيّ عجوزٍ أو شيخٍ يصادفه ليبثّ فيه قناعةً أنّه لم يزل مفيدًا ونافعًا ومصدرًا للفرح والبركة لكلّ مَن حوله..
مَن يحبّ لا يحاسب بل يسند، لا يشعر بالتعالي على الضعيف والخاطئ بل يحسّ بالمسؤولية، لهذا مَن هو في ضعفٍ أو هوان هو أكثر مَن يستقطب حبّنا..
في اعتقادي هذه هي لغة العنصرة التي تجمَع ولا تفرّق، ففي المحبّة يشبه الإنسانُ اللهَ، فتستضيء ترابيّته وتتجلّى صورة الله فيه..
هذه ومضاتٌ أحببتُ مشاركتها للتذكّر، علّني أكون أوّل المتذكرين،
لتصير حياتنا عنصرةً دائمة يملؤها الروح القدس بحضوره..
الأخ سامي الحاج- اللاذقيّة