“أيها المتقدّمان في كراسي الرّسل ومعلّما المسكونة…”

ندى صبحية وازن Friday June 28, 2024 237

“أيها المتقدّمان في كراسي الرّسل ومعلّما المسكونة…”
من كان يظنّ أنّ هذه الألقاب سيحملها يومًا صياد السّمك سمعان والفريسي المتشدّد شاول؟

هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ”. (متى٤: ١٩)
سمعها سمعان وأخوه اندراوس من فم المعلم، فتركا الشّباك وتبعاه. رحلة سمعان من صيد السمك إلى صيد الناس لم تكن بالسهلة. السنوات الثلاث التي رافق خلالها السّيد في كل تفاصيل حياته، خاصة في المحطات المهمة التي أصطحبه فيها مع يوحنا ويعقوب، لم تكن كافية لتجعله يُدرك رسالته وأهميتها. فقد تأرجح طيلة هذه المرحلة بين الصعود والهبوط. فمن قمة الإعتراف بأنّ المسيح هو ابن الله الحي الذي جعله يستحق لقب بطرس إلى السقوط المريع والنكران المخزي عشية صلب السّيد. لكن دموع التوبة وإعترافات الحبّ جعلته يستحق لقب راعي الخراف على مثال معلّمه ويتوّج مسيرته على الصليب.

أما شاول، فقد أتى الى السّيد من البعيد، من إضطهاد الكنيسة الناشئة. على طريق دمشق، كان لقاؤه الأول بالمسيح، الذي وحّد نفسه بأتباعه عندما طرح عليه السؤال الكبير: “لماذا تضطهدني؟”، وآلت به الرحلة الطويلة والشّاقة، مع المعلم، إلى أن يحسب كلّ شيء نفاية من أجل المسيح فلا يفتخر إلا بحمل الصّليب.
كيف تحوّل هذا الفريسي من الكاره للأمم والمسيحيّين ولكلّ من هو غير يهودي إلى رسول الأمم؟ لقد أرسله الرب إليهم مجَرّدًا من مشاعره السّلبية تجاههم ومن تعصّبه لشعبه ودينه وحاملًا شوكةً في الجسد ليوقن بأنّ قوّته هي فقط من الله الذي قال له: “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ”. (٢ كو ١٢: ٩). فجاب المسكونة، محتملًا السجن والجَلد والآلام من أجل الخدمة والبشارة وختم مهمّته مقطوع الرأس في روما بعد أن ترك لنا مجموعة رسائل رسمت أبرز معالم رؤيتنا المسيحيّة.

القدّيسان بطرس وبولس يعلّماننا أنّ السيد يلتقينا لا نعرف متى أو أين، في أي مكان أو في أي مرحلة من حياتنا، لينتزع منّا قلب الحجر ويزرع مكانه قلبًا من لحم ودم، فيشفي نفوسنا من قسوة الإضطهاد وخزي النكران، ويفتح أعيننا على محبّته ولطفه وصلاحه، فنذوق حلاوة وسلام وفرح الّلقاء به، ويرسلنا في وسط هذا العالم “كحملان بين الذئاب”، لا نملك سلاحًا، سوى بضعة صلوات تحمل شكرنا وشكوانا إليه، وكتابٍ يعلّمنا بأن حبة الحنطة إن لم تدفن في الأرض لا تثمر، وصليبٍ يذكّرنا بأنّ الموت صارَ عبورًا إلى القيامة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share