يُقال لـه ساسين بالسريانيّـة. هذا كان راهبًا في صحراء الإسقيط حيث عاش أنطونيوس في مصر، وبقي هناك 72 سنـة، ولمّا سألـه أحد الإخوة إذا كان بلغ قامة أنطونيوس أجابـه: “لو كانت لي فكرة واحدة مثل أنطونيوس لصرتُ وكأنّي من نار”. ذلك أنّ المؤمن الكبير يطفئ نار شهواتـه ليلتهب بنار المحبّة الإلهية فيه، تلك التي تجعله مستقلًّا عن كلّ شيء وكلّ إنسان، وبهذا الاستقلال يخدم كلّ إنسان.
وفيما كان يمشي على الجبل رأى صيّادًا آتيًا من سيناء، فدخل الشيـخ إلى صومعتـه وقرع صدره وقال في نفسه: “إنّـكَ ظننتَ نفسكَ قمتَ بشيء، ولكنّك مع ذلك لم تبلغ مستوى هذا العلمانيّ”. إنّ الإغراء الذي يتعرّض لـه مَن حقّق فضائل كثيرة أن يرى نفسَه فوق جميع الناس، الكبرياء خطيئة منتشرة في كّل مكان، ولكنّها تهدّد الرّهبان بخاصة والذين قضوا ردحًا من الزمان في خدمـة المسيـح، يحسبون أنّهم إذا تغلّبـوا على شهوة الجسد يصيرون كاملين، لا يكونون بالضرورة قد انسلخوا عن الأنا. أن لايعيشَ أحدُنا في أنانيتـه إطلاقًا لا يحصل لأحد.
سيسوي لم يعتقـد أنّـه وصل، نستشـفّ هـذا مـن هـذه الحادثـة، فقد شعر بأنـه أكمـل مسيرتـه على الأرض، فتحـلَّقَ حـولـه الآباء، فسطع وجهه أمامهم كالشمس، فقال لـهم: “هـا أنطونيوس يأتي”، وبـعد هـذا: “هـوذا جوق الأنبياء” ثمّ ازداد وجهه سطوعًا فقال: “هـذا هـو جوق الرّسل” ثمّ استنار وجهـه وبدا كأنّـه يكلّـم شخصًا غير منظـور، ولمّا سألـوه عمن يخاطبه أجاب: “هـؤلاء هم الملائكـة الـذي يأتون ليأخذوني، وأُلحُّ عليهم أن يتركوني لأتـوب قليلاً”. فأجابه الشيوخ: “لم تبـقَ في حاجة إلى تـوبة يا أبانا”، إذ ذاك أجابهم وهـو يبكي: “في الحقيقة لا أعي أنّي وصلتُ إلـى البدء”. فتعـجّب الآباء مـن هـذا التـواضع وفهمـوا أنّـه بلغ الكمال. فجأة صار وجهه أسطع مـن الشمس حتّى خافوا، فأخذ سيسوي يتمتـم: “انظروا، الربّ آت ويقول: أعطوني إناء الصحراء” أي هذا الذي اخترتُه وجعلتُ نفسي فيـه. بعد هذه الكلمات استودع نفسَه يدَيّ الرّب، فكان شبَه برق في الصومعــة، وامتلأ المكان رائحـة زكيـة. عندما تكون جثةٌ على هذه الرائحة نعتبر ذلك علامة قداسـة، اللّـه معطيـها. عندما يقول عملاق مـن عمالقـة الـبِرّ أنّـه ليس بشيء لأنـّه لم يبدأ توبتـه يكون مبصرًا اللّـه فقط وغير مبصر شيئاً صالحاً فـي نفسه، لن أتكلّم عـن الضعفاء الـذين يحسبـون أنّ مالـهم شيء وأنّ مكانتـهم الاجتماعيـّة شيء أو جمالـهم أو علمـهـم على درجـة أعلى، يظـنّ الـذين بلغـوا فضيـلة أنّـهم أقرباء مـن اللّـه ولكن مـن يعرف أنّ ما يبدو في عينيه حسنـة هـو كذلك عند اللّـه. التعلق بمزايانا على أنّنا اكتسبناها بجهدنا هـذا من الضلالة بمكان، مَـن رأى فـي نفسه التماعًا روحيًّا ينبغي أن يأخذ مسافة من ذلك لأنّه قد يكـون في وهـم، الله وحده يعـرف إن كان لك عنـده مكانـة لأنّه وحده “يفحـص القلـوب والكلى بعدل”. أنت عليك أن تفحص قلبك لئلّا تتدهـور، قد لا تجد فيك سـوءًا ولكن الله وحده يعـرف الأعماق، أَسْلِمْ لـه نفسَكَ لكونـه رحيمًا، واتّكلْ على خلاص ينزل عليك من فوق وأنت فقير إليه، أذكر أنّ الأقوياء في المسيح مخفيـّون عن أنفسهم ولا يذكرون شيئًـا من مزاياهم. عن هذا علَّمَنا القدّيس سيسوي الشيء الكثير.
طروبارية القدّيس سيسوي
ظهرت في البرّية مستوطناً، وبالجسم ملاكاً، وللعجائب صانعاً، وبالأصوام والأسهار والصلوات تقبّلت المواهب السماويّة، فأنت تشفي السقماءَ ونفوس المبادرين إليك بإيمان، يا أبانا المتوشّح بالله سيسوي. فالمجد لمن وهبك القوّة، المجد للذي توّجك، المجد للفاعل بك الأشفية للجميع.