إثر اضطهاد المسيحيّين في عهد كومّودوس قيصر اهتدى العديدون ومن بينهم مواطنون ذوو رفعة في مجتمعهم. فلمّا اندلعت موجة اضطهاد جديدة في رومية في سنة 183م، أوقف أبولونيوس وهو رجل معروف بعِلمه، أمام المحكمة إثر وشاية. جاهَر بمسيحيّته، ودعاه الحاكم بيرينيوس إلى التراجع والحلف بالإمبراطور. أجابه أبولونيوس أنّ كلمة الله، يسوع، أوصى تلاميذه بألاّ يحلفوا، وأنّ المسيحيين يقدّمون التضحية غير الدمويّة وغير المعيبة للإله الكليّ القدرة عن كلّ الرجال والسلطات الذين يحكمون بمشيئة الله.
أُعطي مهلة ثلاثة أيّام، مثُل بعدها أمام المحكمة من جديد بحضورعدد كبير من الشيوخ وأرباب المشورة والفلاسفة. سُئِل ماذا قرّر؟ أجاب: “أن أبقى أمينًا لله”. أصرّ على قراره رغم مناشدات العديدين معلنًا أنّه يعرف تمامًا مضمون المرسوم المشيخي القاضي بإنزال عقوبة الموت بالمتّهمين الذين يأبون التراجع، ولكن لا شيء في العالم يحمله على تقديم العبادة لأصنام صنع أيدي البشر. “مَن أخدمه هو إله السماء، وإيّاه وحده أعبد. هو الذي أسبغ على كلّ الناس نفسًا حيّة ويرعى فيهم الحياة كلّ يوم. إنّه لعار علينا أن نعبد ما لا يليق بالناس أو ما هو أسوأ من الأبالسة. أيّ جنون يكمن في هذا الضلال! لا يمكن لهذه الأشياء كلّها إلاّ أن تسبّب في أذيّة النفوس التي تعتقد بها”. ثمّ تابع دفاعه فسخر من أصنام الأثينائيّين والمصريّين وكلّ الوثنيّين الآخرين الذين يعبدون حيوانات نجسة ليست سوى صورة عن أخلاقهم المنحطّة. وإذ ذكّره بيرينيوس بأنّ المشيخة تمنع أيًّا كان من اعتناق الإيمان المسيحيّ أجاب: لا تخضع إرادة الله إرادة الناس. كلّما فتَكتم بمن يؤمنون بالله كلّما زادهم الربّ عددًا. لقد رسم الله الموت لكلّ الناس على السواء، وبعد الموت الدينونة. لكن طريقة الموت ليست واحدة بين مَن حياتهم موافقة لمشيئة الله. ونحن إذ نتعاطى مثل هذه السيرة لا نخشى الموت من أجل الإله الحقّ. لذلك نحتمل كلّ شيء بصبر حتّى لا نموت موتًا أبديًّا. نحن للربّ في الحياة وفي الممات. اتّهمه بيرينيوس بأنّه محبّ للموت فأجاب: “أنا أحبّ الحياة، لكن محبّة الحياة لا تجعلني أخشى الموت. لا شيء أفضل من الحياة، لكنّ الحياة الأبدية، الحياة التي تصير خلودًا للنفس التي سلكت ههنا”. اعترف الحاكم بأنّه لم يفهم ما يريد القدّيس قوله، فتابع القدّيس كلامه: “ما تفهمه من عجائب النعمة قليل جدًّا!” على النفس أن تنفتح للنور لتكتشف كلمة الربّ نظير العينين لتريا بوضوح. لا طائل من الكلام لمَن ليس في طاقتهم أن يفهموا، كالنور لا ينفع العميان”. أحد الفلاسفة الحاضرين قال عنه إنّه يهذي فأجابه أبولونيوس أنّه تعلّم أن يصلّي لا أن يشتم. وتابَع موجِّهًا كلامه للحاكم في شأن كلمة الله: “هذا الكلمة هو مخلّصنا، يسوع المسيح كإنسان ولد في اليهودية. كان بارًّا في كلّ شيء وممتلئًا من حكمة الله. وبمحبّته للبشر، عرّفنا بإله الكون وعلّمنا أيّ مثال للفضيلة يناسب نفوسنا لنسلك في حياة القداسة. بآلامه حكم سلطان الخطيئة”. وأضاف أنّ الإيمان بخلود النفس ورجاء القيامة العتيدة يهذّبان النفس حتّى تسلك في هذا العالم وكأنّها في غرفة انتظار الأبديّة. والمسيحيّون مستعدّون لأن يكابدوا كلّ أسواء الحياة الحاضرة. بقيت دفاعيّة أبولونيوس الحارة دون تأثير في قلوب الوثنيّين المظلمة. أخيرًا أعلن بيرينيوس أنّه يرغب في إطلاق سراح القدّيس، لكن مرسوم الإمبراطور يمنعه من ذلك. كان عليه أن يصدر في شأنه حكمًا بالموت. لذلك، وحفظًا لإنسانية الموقف، أمَر بقطع رأسه دون تعريضه للتعذيب. فشكَر أبولونيوس الله، وقبل أن يحني عنقه للسيف شكر الحاكم على هذه العقوبة التي تأتيه بالخلاص الأبديّ.