“لقد ظهرَتْ نعمةُ الله المُخلّصة لجميع الناس”. اقتبسنا هذه القولة من رسالة بولس الى تلميذه تيطس وهي لا تدلّ حصرا على نعمة الثالوث الذي ظهر على نهر الأردن وتجلّى الثالوث في هذا اليوم، يوم الغطاس (بالعامّيّة) كما تجلّى في الميلاد الذي كانت الكنيسة القديمة تُقيمه في يوم واحد مع الغطاس. والتذكاران، مجتمعين، كنّا نطلق عليهما اسم عيد الظهور حتى فصلنا الميلاد عن الغطاس وبقي ذكره تدلّ عليه معمودية السيد وإياه نقيم في هذا اليوم.
لقد ظهرَتْ نعمةُ الله اذ كشف الآب عن ذاته بالصوت لما دلّ على المسيح قائلا: “هذا هو ابني الحبيب”، وكشف يسوع نفسه بجسده في ماء النهر، والروح القدس بان كحمامة. ينتج من ظهور الله أننا مدعوون لنكون لله بالابتعاد عن الشهوات فنحيا في الدهر الحاضر “بالتعقل والعدل والتقوى” على رجاء ظهور المسيح في اليوم الآخِر.
هنا قَرّبت الرسالة بين ظهور الرب على نهر الأردن وظهوره في آخر الأزمنة. في ظهوره الأول الآن يُظهر المسيح لطف الله ومحبته للناس. هذا اللطف ليس نتيجة سلوكنا البشريّ ولكنه ثمرة الرحمة. كل صلاحٍ فينا عملُ الله وليس ثمرة أعمالنا.
هذا يأتي “بغَسْل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس”. هذا يشير الى المعمودية التي هي ولادتنا بالروح القدس بعد أن ولدتنا أُمّهاتنا. بالمعمودية والميرون يجدّدنا الروح القدس اذ يجعلنا خلائق جديدة ويُفيض علينا طوال حياتنا نعمة الروح، وهذا الفيض هو استمرار المعمودية فينا.المعمودية لا تنتهي بغسلنا بالماء والروح عند طفولتنا. إنها تستمرّ بالنعمة التي يسكُبها الروح القدس في قلوبنا.
بها نصير “ورثةً على حسب رجاء الحياة الأبدية”. الحياة الأبدية إرث ولا نأتي به من عندنا. نستثمر هذا الإرث باستلام الروح الإلهي كل يوم وبالطاعة لكلمة الإنجيل كل يوم. هذه الطاعة هي معموديتنا المستمرّة. تنزل علينا المعمودية بالرضاء الإلهي، وتبقى اذا حافظنا على النعمة واذا تجدّدت فينا بطاعة الإيمان.
كل صلاح فينا ليس صلاحا ابتكرناه نحن، فالروح القدس كنز الصالحات، فهذه تتدفّق منه، ونحن ورثة للخلاص الذي أتمّه السيد على الصليب وفي القيامة ووزّعه علينا بالعنصرة الشخصية.
ليس من خلاص إلا هذا الذي حصل. أعمال البرّ التي نقوم بها ليست خلاصا آخر. هي قبول الخلاص الذي صار والسلوك بقوته بمعنى أننا نتلقّى الخلاص ولا ننشئه.
وهذا ظهور إلهيّ لكل واحد منا في المسلك. هذا العيد الذي نُحييه اليوم ليس فقط ذكرى معمودية الرب. طبعا هو كذلك على أن نأخذ في نفوسنا تجلّي الله كل يوم في الأعمال الصالحة.
معموديتنا الدائمة في الطاعة بحيث نُتمّم العمل الصالح بالرضاء الإلهي الذي اسمه النعمة.