الزواج المدني وسيادة الدولة

mjoa Wednesday January 30, 2013 80

فتوى الشيخ محمد رشيد قباني، مفتي الجمهورية اللبنانية، بتحريم الزواج المدني وتشريعه في لبنان تؤكّد أن كل كلام فقهيّ عن انسجام الإسلام و”الدولة المدنية” تنقصه الدقة وتعوزه الصراحة. وهذه الفتوى تؤكّد هواجسنا بأن الوصول إلى “الدولة المدنية” الحقيقية ما زالت دونه أهوال جمّة.

البحّاثة في الشؤون الإسلامية لا يستغربون ما جاء في الفتوى بـ”أن كل مَن يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطتين التشريعية والتنفيذية على تشريع وقوننة الزواج المدني، ولو اختيارياً، هو مرتدّ وخارج عن دين الإسلام، ولا يُغسل ولا يكفّن ولا يُصلّى عليه ولا يُدفن في مدافن المسلمين”. ذلك أنّ علماء الإسلام، قديماً وراهناً، يجمعون على رفض الزواج المدني واعتباره مخالفاً للشريعة الإسلامية.

فالمفتي الشيخ حسن خالد (ت 1987)، على سبيل المثال، يذهب المذهب عينه، فيرفض الزواج المدني رفضاً قاطعاً: “نحن نرفض، كقيادة روحية، الزواج المدني، لأنه يتعارض في بنوده التشريعية ونصوصه مع أحكام الشريعة الإسلامية. فيبيح زواج المسلمة من المسيحي أو من اليهودي” (مقابلة مع مجلّة “الحوادث” اللبنانية، 28 تشرين الثاني 1975).

موقف المفتي قباني من الزواج المدني، إذاً، ليس جديداً وليس مخالفاً لما أجمع عليه المفتون والفقهاء. لكنّه، في الظروف الراهنة التي تمرّ بها الدول العربية، وفي ظل الكلام المتنامي عن السعي إلى قيام “الدولة المدنية”، لا يدع مكاناً للشكّ بأن لا صدقيّة لكل ما يتمّ ترويجه عن توافق الدولة المدنية والشريعة الإسلامية كما تقدّمها الأدبيات الإسلامية المعاصرة، وبأن إمكانية تساكنهما هي ما دون العدم. ويصل المفتي قباني إلى حدّ المطالبة برفض الزواج المدني وإسقاطه، ويساويه بالجهاد إذ يعتبره “فرض عين على كل مسلم ومسلمة وواجباً على جميع العلماء المسلمين في لبنان من كل الطوائف الإسلامية”.

لا دولة مدنية حقيقية من دون قانون مدني للأحوال الشخصية. فمن أسس الدولة أن تكون لها السيادة على جميع مؤسساتها، وعلى رأسها القضاء. أن تتخلّى الدولة عن جزء من القضاء وأن تسلمه تسليماً مطلقاً للهيئات الدينية يجعلها منتقصة السيادة ومنتهكة. أن يضطر اللبناني واللبنانية إلى اللجوء إلى الدول الأجنبية من أجل عقد زواج مدني تعترف به الدولة لهو نفاق ما بعده نفاق، ويجعل الدولة، عدا عن مخالفتها لأصول المواطنة الحقّ، معدومة السيادة وقامعة للحريات العامة وحقوق الإنسان.

الدولة المدنية بعيدة المنال، وذلك ليس بسبب فتوى المفتي قباني فحسب، بل لأن تأزّم المجتمعات العربية، والمجتمع اللبناني ليس استثناءً، يزداد تفاقماً.

وليس لـمَن يؤيّد مشاريع القوانين الانتخابية القائمة على الطائفيّة أن يستهجن الفتوى القبّانية، بل هو، بتبنّيه الانحطاط، يضيف ماءً إلى طواحينها.

وليس لـمَن يطالب بحقوق المسيحيين أو بحقوق المسلمين ويتغافل، في الآن عينه، عن حقوق المواطن الفرد أن يستنكر أيّ فتوى دينيّة تبيح أمراً أو تحرّم أمراً آخر. هي ذهنية واحدة نابعة من أرومة واحدة ولا تثمر سوى قطعان معدّة للذبح.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share