هل أصبح مهد المسيح بدون مسيحيين؟

mjoa Friday February 15, 2013 77

ارتفعت معدّلات هجرة المسيحيين من الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة وبدأت تأخذ طابعا سياسيا نتيجة الممارسات الإسرائيلية الهادفة لتفريغ فلسطين من مكوّناتها الحضارية، وهي ممارسات تطال كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي جعل كثيرين يلجأون للهجرة هربا من الأوضاع الصعبة.

 

 

ويرى سياسيون ورجال دين أن إسرائيل تكبل حياة المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء، إذ إنّ الضغوط الاقتصادية وعدم الاستقرار والشعور بالأمان في وطنهم كلّها عوامل ساهمت في تهجيرهم من أرضهم، ما قلل نسبة المسيحيين في المجتمع الفلسطيني لتصل إلى أقل من 1%.

وبينما يطالب البعض السلطة الفلسطينية بالعمل على توفير فرص عمل لهم من أجل تثبيت وجودهم في أراضيهم، يرى آخرون أن هناك تقصيرا من قبل المسلمين والمسيحيين والمؤسسات الرسمية لمنع الهجرة ووضع حد لها.

وتشير الإحصائيات إلى أنّ عدد المسيحيين في الأراضي الفلسطينية لا يزيد عن 46.500 مسيحي أي أنه لا يتجاوز ما نسبته 1%، منهم 5 آلاف في مدينة القدس، و40.000 في الضفة الغربية و1230 في قطاع غزة، وفيما كان عدد السكان المسيحيين في مدينة مهد المسيح بيت لحم منذ عام 1994، 22.500 مسيحي، أصبح الآن لا يتجاوز الـ6 آلاف مواطن.

تقصير من الجهات الرسمية
وفيما يشدّد راعي كنيسة اللاتين في بيت جالا الأب ابراهيم الشوملي على ضرورة عدم هجرة المسيحيين من الأراضي الفلسطينية، يشير إلى إلى أن السبب الرئيسي الذي يدفعهم للهجرة هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس أبشع السياسات بحقهم متمثلة في القيود التي يفرضوها على الحواجز والجدار العازل وغيره، الأمر الذي يعيق أي عملية سلمية.

ويستبعد الشوملي، في حديث لـ”النشرة”، أن يكون الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد هو سبب هجرتهم، لافتاً إلى أنه سيء وصعب على الجميع، موضحاً أنهم ليسوا مضطهدين ويعيشون في وطنهم مكرمين معززين. ويقول: “نحن كمسيحيين نعيش بكرامتنا ولنا حقوقنا وواجباتنا والذي ينتزع من كرامتنا وكرامة شعبنا الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي”.

لكنّ الأب الشوملي لا ينفي في الوقت عينه وجود تقصير من قبل المسلم والمسيحي والمؤسسات الرسمية لمنع الهجرة ووضع حد لها، إلا أنه يؤكد أن المسيحيين بحاجة إلى أن يكون لهم فرص عمل خصوصا أن المعاناة مفروضة على الجميع. ويردف قائلا: “يجب أن تتكاتف جهودنا كمسيحين ومسلمين لتثبيت وجودنا وبهذا نفشل كل مخططات الاحتلال، ويجب أن نكون مساهمين من خلال مآذننا وخطبنا إن كانت في الكنائس أو المساجد”.

باقون في أرضنا
من جهته، يلفت الناطق الرسمي باسم بطريركية الروم الأرثوذكس في الأراضي الفلسطينية الأب عيسى مصلح إلى أنّ رؤساء الكنائس يلعبون دوراً مهماً في تثبيت الوجود المسيحي بفلسطين، من خلال ايجاد فرص عمل وفتح مشاريع، واجراء اتصالات مع الكثير من دول العالم.

ويوضح الأب مصلح، في حديث لـ”النشرة”، أنّ هجرة المسيحيين تنعكس سلبا على القضية الفلسطينية برمتها، ويشرح أنّ “الاحتلال الإسرائيلي يريد أن تصبح القضية مجرّد صراع ديني اسلامي يهودي، ويريد بطريقة أو بأخرى مسح العالم المسيحي لكي ينفرد بالقضية كما يشاء”.

وفيما يشدّد على وجوب بقاء المسيحيين في أرضهم، يسأل: “لماذا نرحل ونترك مساجدنا وكنائسنا؟ هل نتركها للاحتلال الاسرائيلي البغيض الذي سلب أرضنا ويحرمنا من العيش بحرية وكرامة في بلادنا؟”. ويتابع: “نحن نقول لن نرحل أبداً وسنبقى، إلى جانب إخواننا المسلمين حتى تحرير أخر شبر من أراضينا المحتلة، واقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف”.

المعاناة واحدة
في المقابل، يعتبر المواطن الفلسطيني والذي يعمل محامياً نيكولا جحا أن معاناة المسلم والمسيحي واحدة، مشيراً إلى أنهم تأثروا كثيراً بالاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته، لكنه يوضح أنه بات يشعر أنه يعيش وحيداً في مدينته المقدسة بيت لحم، إذ إن معظم أفراد عائلته وأقاربه هاجروا المدينة إلى الخارج بسبب الأوضاع الصعبة وممارسات الاحتلال.

وفي حديث لـ”النشرة”، يقول حجا، الذي يعيش في مدينة بيت لحم: “نحن نفتخر بعائلتنا وعزوتنا، لكن مع الأسف كدت أشعر أنني أصبحت أعيش وحيداً في وطني، وبلد المسيح عيسى عليه السلام، هذه المدينة من أهم مناطق العالم ويجب علينا أن نحافظ على وجود طابع فلسطيني مسيحي فيها، لكن للأسف ثلاثة أرباع أهلها هاجروا منها”.

ويوضح المواطن الفلسطيني أن ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين طالت كافة مناحي الحياة وصولاً للسياحة التي تعتمد عليها مدينة بيت لحم بشكل أساسي، إذ أصبح جدار العزل الإسرائيلي يجبر السائح على التوجه لكنيسة المهد مباشرة، دون إعطائه الحرية الكاملة في التجول بالمدينة أو حتى البقاء فيها لأيام. ويتابع: “إسرائيل تقوم بإدخال حراس يهود مع السائحين، ويقولون لهم أن هناك ارهابيين في هذه البلد، وهذا أثر بشكل سلبي عليهم”.

وينبّه نيكولا إلى أن الهجرة تنعكس سلباً على الديانة المسيحية وعلى شرائح وأساسيات المجتمع الفلسطيني بكامله.

الاحتلال المسؤول الوحيد
في المقابل، تعتبر المواطنة الفلسطينية كريستين ريناوي أنّ عدم الاستقرار والشعور بالأمان في الوطن، وآثار الاحتلال من حصار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، أنتج أزمة في مختلف الجوانب الحياتية ما أدى إلى تقليص الوجود المسيحي في فلسطين.

ريناوي، التي تعمل صحافية، توضح في حديث لـ”النشرة” أنّ “الاحتلال هو المسؤول الوحيد عن هجرة المسيحيين من بلادهم ويشن حرباً ديمغرافية عليهم، إذ أنه يريد أقلية فلسطينية من المسلمين والمسيحيين، مقابل اغلبية يهودية”، لكنها تشدّد على أنّ الهجرة لن تؤثر على الديانة المسيحية، مشيرة إلى أن الكنيسة تحث الناس على الصبر وتحمل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
وتضيف: “هذه البلاد ملجأ روحي لنا جميعاً، ورغم الهجرة إلا أن مرجعنا الأساسي إليها، لكن هناك ظروف تحكمنا والهجرة أصبحت للهرب من الوضع السيء وسياسات الاحتلال”.

مسؤوليات وخطوات
وفي إطار آخر، أشار الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية في فلسطين حنّا عيسى إلى ضرورة اتخاذ خطوات فعلية من قبل المسلمين والمسيحيين لدعم الوجود المسيحي وإيجاد الحلول المناسبة للحفاظ على المسيحيين في أرضهم المقدسة إلى جانب إخوانهم المسلمين.

وأكد عيسى في تصريح خاص لـ”النشرة” أن هناك مسؤولية ملقاة على السلطة الوطنية الفلسطينية في دعم الوجود المسيحي من خلال توفير فرص العمل لهم، وإيجاد الأماكن العلمية كالجامعات وغيرها، مطالباً بضرورة التواصل مع مسيحيي الخارج، ليكون لهم دور كبير في دعم الوجود المسيحي في فلسطين.

ولفت عيسى إلى أنّ عدد سكان مدينة القدس المحتلة في الوقت الحالي مليون و260 ألف فلسطيني، و740 ألف مستوطن يهودي، ما يعني أن هناك استهدافا إسرائيليا ديموغرافيا ممنهجا للمسلمين والمسيحيين، وأوضح أن ما يقارب الـ55 ألف مواطن مسيحي من سكان مدينة رام الله لوحدها، دون الذين هاجروا من الأراضي المحتلة عام 48 موجودون في الولايات المتحدة الأميركية ، ولا يتجاوزون الآن في المدينة 1500 مواطن مسيحي.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share