المسيحيّون وتجربة التهوّد

mjoa Wednesday March 13, 2013 86

قبل أسبوعين اتصل بي أحدهم هاتفياً، وعرّف عن نفسه بأنه “مواطن لبناني يهودي”، واتّهمني بأني “عنصري” بعد قراءته مقالتي “عنصريّاتنا” (“النهار”، 27 شباط 2013)، كما اتّهمتني بالتهمة ذاتها بعض التعليقات “الفايسبوكية”. عدت إلى مقالتي، فلم أجد فيها ما يشير إلى أني انتقدت اليهود، أفراداً أو جماعةً، بل انتقدت “المؤسسة الدينية اليهودية” التي تآمرت لقتل المسيح لأنه أراد إخراج الله من الحصرية اليهودية إلى التنوّع الأممي.

لست أنا مَن أطلق تسمية “الدولة اليهودية” على الكيان الإسرائيلي، فمنذ وعد بلفور السيىء الذكر إلى أيامنا وإسرائيل هي “الوطن القومي لليهود”. ولست أنا مَن خلط ما بين اليهودية والصهيونية، بل المدافعون عن الصهيونية هم الخالطون، إذ بات أي انتقاد للفكر الصهيوني العنصري أو حتى للحكومة الإسرائيلية يوضع في خانة “معاداة الساميّة”. هم، إذاً، من يمارسون الإرهاب ضدّ كلّ مَن يجرؤ على انتقاد أي إجراء يقوم به أصغر موظّف في الدولة الإسرائيلية.

فأين العنصرية في أن نذكّر بالبديهيات وهي أن العداء الذي تكنّه اليهودية للمسيح كبير جداً. فما تقوله اليهودية عن المسيح وأمّه في تلمودها ليس سوى شتائم سوقيّة. فالمسيح، والعياذ بالله، “ابن زنا” و”ساحر” و”كذّاب”، وأمّه مريم “زانية” و”خائنة”. واليهودية لم تغفر للمسيح تعاليمه التي تدين الذهنية اليهودية المنغلقة على ذاتها، ولم تغفر له إدانته للطبقة الكهنوتية اليهودية وتعاملها الحرفي مع الشريعة وإغفالها لروح هذه الشريعة أي “الرحمة”، ولم تغفر له محاولته إصلاح الديانة اليهودية، ولم تغفر له توبيخه لعلماء الشريعة وللفرّيسيين (سلفيّي ذلك الزمان) والصدوقيّين ومختلف الفرق اليهودية. لقد أدركت اليهودية أن المسيح لم يأتِ ليتمّم الشريعة كما هي، بل أتى ليتمّم الشريعة بقراءة جديدة توجزها كلمة واحدة هي “المحبّة”.

وبطبيعة الحال انتشر هذا العداء اليهودي ليشمل كلّ مَن يؤمن بالمسيح فادياً ومخلّصاً. ويروي كتاب أعمال الرسل قصّة أول شهيد في المسيحية، القدّيس إستفانوس، الذي قتله اليهود رجماً حتّى الموت. وما زال هذا العداء مستمرّاً إلى اليوم، فاليهود لا يطيقون أن يُذكر أمامهم اسم المسيح وأمّه مريم. لذلك حاولوا منذ بداية المسيحية أن يصبغوها بصبغتهم وأن يجعلوها مجرّد فرقة من فرقهم العديدة. غير أن تصدّي القدّيس بولس الرسول لمحاولات “التهويد” التي استهدفت المسيحية الناشئة هو الذي جعلها رسالة عالمية غير محدودة بقوم واحد هو الشعب اليهوديّ. ومعروف جهاد الرسول بولس ضدّ محاولات فرض الختان على المقبلين إلى المسيحية من غير اليهود. لكن هذا لم يمنع ظهور بعض الفرق المسيحية المتهوّدة التي اعتبرت المسيح مجرد نبيّ مثله مثل أيّ نبيّ من انبياء العهد القديم، وأنّه قطعاً ليس إلهاً كما تقول المسيحيّة.

المسيحيّة، كما شاءها المسيح، ليست، كاليهودية، ديانة قومية منغلقة على ذاتها. التجربة الكبرى التي تواجه المسيحيّين اليوم في لبنان والأقطار العربيّة هي قبولهم بأن يكونوا “غيتو” مسيحياً منعزلاً، أمّة قومية دينية قائمة بذاتها. وما بعض ما يطالب به بعض المسيحيّين وزعمائهم سوى ردّة عن المسيحية إلى يهودية حاربها المسيح حين حطّم أسوارها وأصنامها. فهل يكون هذا التهوّد المسيحي السمّ القاتل للمسيحيين وحضورهم في هذا المشرق؟

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share