ينقضي عمري بين خيبة وخيبة. أجل هناك تعزيات ولكن قليلها يأتي من البشر. للبشر منافعهم من دنياك أو استعلاؤهم عليك. وقلما تستطيع ان تغير الشائع. وقد تكتشف أشياء ضدك في ما يبدو مودات. فالكثير من الدنيا منسوج من نفاق. “أهكذا تنقضي دوما امانينا” إلى ان يوارينا ربك عن هذا الوجود وبعد عبور الوجود نصير “نسيا منسيا” وفي هذا رأفة من ربك ورحمة.
وحسنات الناس قليلة وتبدو لك ممزوجة في كذبهم. وفي أحايين كثيرة لا تقدر ان تفرق بين كذبهم والصدق وتحيا مقدرا صدقهم ومنتظره وتبقى لك نخبة صغيرة جدا تعزيك لأنها لله وأنت تسعى ان تكون له. يقول داود: “كل انسان كاذب” ويكملها بقوله توا: “بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطاني”؟ ما علاقة الكلمتين؟ اذا كان كل انسان كاذبا لا انتظر شيئاً حسناً من انسان. ولكني أنا أعرف نفسي مؤمنًا أي إنسانًا من نوع لا كذب فيه، صادقًا ليس فقط في ما أتصرف ولكن في عمق كياني وألمي – وهذا ليس بمشكلة – ان أرى الناس على سلوكهم وأبقى صامدًا في حضرة الرب أو بسبب من حضرة الرب على لساني وفي عينيّ.
لم يبق لي ألم من كون بعض من القوم يكرهني – وأنا لست أتكلم هنا عن نفسي – ولكنها القاعدة. وليس لي ان أقول ان في هذا حسدًا فمن أنا لأدين ومن قال ان عندي حسنات تستدعي الغيرة؟ الناس هكذا. المحبون منهم قلة وأنت تتعامل وهذه القلة إلى ان يأخذك ربك من موت إلى حيث لا تسمع شيئًا من الكذب. حسنة السماء الكبرى ان الله صادق ويراك على ما أنت عليه ويقرئ السماويين صدقك وتنسى كذب أهل الأرض.
أتوقع ان يتساءل من يعرفني من قرائي عما يراه حزنًا في كتابتي. الله يفرح من يشاء ويرفع الحزن عمن يشاء. لكن الرب لا ينشئ فيك فرحًا غير مؤسس على الحقيقة ويطيب لك ان تفرح في البشرة التي أنت عليها ولكن بشرة الناس من تراب وكثيرًا ما كانت رائحتها رائحة تراب إلى ان يرفعك ربك إلى الملكوت. وضعنا في هذه الأرض ان نجاور فيها القذارات إلى ان نغادر هذه الأرض في موت. “كل انسان كاذب” لأنه يحاول ان يخفي القذارات فيه ليبيض صفحته عند الناس. أما كيف يراه الله فهذا هاجس الكبار في حياتهم الروحية. وهم يتكلمون على هذه الرؤية يحيون بها.
***
قدرك في هذا الوجود ان تحيا وحدك او مع قلة من الطيبين الذين يفرحون لتقدمك على معراج الحياة الروحية، هذه مقولة غريبة عن الأكثرين واذا اتقيت ربك أنت وحدك. الناس يتقون بعضهم بعضا ويرجئون استرضاء الله اذ يحسبون انهم يعيشون من خيرات الأرض. قد يختلط بسبب من هذا الاختلاف فيك حزن اذ لا ترى الملكوت مقبلا على الناس ومعظمهم لا يهتمون له ولا يحزنون لأنفسهم كما لا يحزنون من أجلك لأنهم “استوفوا أجرهم”.
لا تنتهي الخيبات ولكنك انت لا تفنى في صدمة حلّت ولا تتوقع دائما فناء الصدمات. انت مشلوح على خشبة الصليب التي وعدت بها وكثيرا ما يطلع لك في هذا الشليح تعزيات. واذ ذاك تنتقل من قيامة الى قيامة. انبعاثنا مع المسيح يتم عند صلبنا كما كان له. ونعانق صليبنا لعلمنا انه درب قيامتنا. حياتنا في المسيح تأتي من تعب العالم ثم من صلاتنا اي تبدأ بصليب يجعله المؤمن مكانا لقيامته.
وهذا درب الحياة كلها اذ لا حياة إلاّ من موت لك في دنياك واعني بهذا زوال المجد العالمي وزوال كل افتخار ونكران كل مجد. يكللك ربك بمجد منه اذا رأى رأسك قابلا للإكليل. والسقوط يزيل عنك كل مجد ويجعلك في قاع الهوان والذل.
“لا حياة إلاّ من موت” تعني رفضك للمجد اذا أتى وسعيك فقط الى المجد الإلهي وما في دنياك إلاّ المجد الباطل نؤتاه من الفخر الزائل. أحس كثيرا ان الناس لا يؤمنون الا بدنياهم لكونهم بدلوا دينهم بدنياهم بمعنى انهم احسوا انهم يفيدون من دنياهم لأن آخرتهم مرجأة او يرجئونها وتاليا لا يتمتعون بها الا بالأمل وليست هي في قبضتهم.
حزن الكثيرين انهم لا يلتمسون شيئا من السماء في أولاهم ويحسبون ان الدنيا فارغة من بركات السماء او انها تفتح باب السماء قليلا.
الملكوت ان لم يكن منه شيء فيك لن تراه. لن يكون لك في الآتي ما لم يبدأ معك وفيك هنا. ألم تقرأ قول الكتاب “ملكوت الله في داخلكم” (لوقا 17: 21) أنت سماوي الآن او لن تكون. المسيح أتى وآت.