علينا، منذ اليوم الأول من الأسبوع العظيم، أن (نستقبل) يسوع المسيح، ونقبل أن تهَيمن علينا إرادته. في هذا الاستقبال للمسيح الآتي إلينا يكمن معنى أحد الشعانين (25).
تُقرأ في صلاة الغروب، المقامة مساء السبت، ثلاثة تلاوات من العهد القديم. تتكلم الأولى عن الإرشادات الأخيرة التي أسداها يعقوب لأبنائه (تك1:49- 2، 8- 12). لقد اختير هذا المقطع لأنه يشير إلى (القضيب) و (الجحش) و (دم العنب) الذي يغسل الثياب، وكلها تكتسب معنى جديداً بدخول يسوع إلى أورشليم قبل آلامه: (لا يزول قضيب من يهوذا… متى يأتي من يكون له خضوع الشعب، رابطاً بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه، غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه). أمّا القراءة الثانية (صفنيّا 14:3- 19) فتعلن أيضاً عن حضور الملك المعزّي: (اهتف يا إسرائيل… ملك إسرائيل الرب في وسطك. لا تنظرين بعد شرّاً). وتشير القراءة الثالثة إلى نبوءة زكريا ( 9:9- 15) التي تحققت يوم الشعانين: (ابتهجي جداً يا ابنة صهيون… هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان) (26).
تدعونا تراتيل السَحَر إلى الذهاب للقاء الملك الآتي: (هلمّ بالأغصان نسبّح المسيح السيّد… الله الرب ظهر لنا، فأقيموا العيد وهلموا نعظم المسيح مبتهجين، وبسعف وأغصان نهتف نحوه بالتسابيح قائلين: مبارك الآتي باسم الرب). أمّا إنجيل السَحَر (متى1:21- 11، 15- 17) فيصف دخول يسوع الاحتفالي إلى أورشليم (27). وفي أواخر خدمة السحر يبارك الأسقف أو الكاهن أغصان النخل ويوزّعها على المؤمنين.
تتكلم الرسالة التي تتلى في قداس الذهبي الفم الذي يُقام اليوم (فيليبي 4:4- 9) عن قرب مجيء السيّد: (افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا… الرب قريب). أمّا الإنجيل (يو1:12- 18) فيشير إلى دهن رجلي يسوع بالطيب الذي قامت مريم في بيت عنيا (وستعود الكنيسة وتذكرنا بهذا الحدث صباح يوم الأربعاء العظيم) ثم إلى الدخول إلى أورشليم. وتبتدأ البركة الختامية في آخر القداس بالكلمات التالية: (يا من ارتضى أن يجلس على جحش ابن أتان لأجل خلاصنا…).
فلنسع الآن إلى تفهم بعض تعاليم هذا الأحد.
* (هوذا ملكك يأتي إليك). اليوم، يأتينا يسوع كملك علينا، إنه أكثر من معلم يرشد تلاميذه. يريدنا يسوع أن نقبل مشيئته في كل شيء وأن نتنازل عن كل رغباتنا الذاتية. يأتي إلينا ليملك على نفوسنا ولكي يقام ملكاً في قلوبنا.
* (إليك…). لا يأتي يسوع إلى البشرية جمعاء وحسب، بل إلى كل واحد منّا بصورة خاصة. (ملكك…). يريد يسوع أن يكون ملكي. وبمعنى خاص إنه ملك على كل واحد منّا. وبشكل شخصي ومميّز بالكلية إنه يطلب طاعة وقبولاً داخليين وصميميين.
* هذا الملك (متواضع). يأتي إلينا راكباً على حيوان حقير، رمز التواضع والطبية. سيعود يوماً ما في مجده ليدين العالم. أمّا اليوم فإنه يطرح كل مظاهر المجد أو السلطة ولا يطالب بأية مملكة منظورة. يريد أن يحكم فقط على قلوبنا: (يا بنيّ أعطني قلبك) (أمثال 26:23).
* ولكن كان حسّ الشعب صائباً عندما حيّا يسوع كملك إسرائيل المنظور، لأن يسوع ليس فقط ملك الأشخاص، بل أيضاً ملك الجماعات البشرية. ملكه ذو طابع اجتماعي أيضاً، ويمتد إلى مجالات السياسة والاقتصاد إضافة إلى المجال الروحي الخلقي. ليس من شيء غريب أو بعيد بالنسبة لربوبيّة يسوع.
* كان الجمع الذي استقبل يسوع يحمل سعف النخل والأغصان التي قد تكون من أغصان الزيتون – وهي الشجرة التي نجدها بكثرة في ضواحي أورشليم. لكل من أغصان النخيل والزيتون معناها الرمزي. فسعف النخيل تشير إلى الغلبة، بينما تشير أغصان الزيتون إلى السلام والمسحة. فلنذهب إذاً إلى لقاء يسوع، ممجدين قوته ولطفه في آن، مقدمين له انتصاراتنا (التي هي انتصاراته بالفعل) على ذواتنا وعلى الخطيئة وكذلك سلامنا الداخلي (الذي هو سلامه).
* (وفرش الجمع الكثير ثيابهم على الطريق…). فلنلق على أقدام يسوع ثيابنا وممتلكاتنا وأمانتنا وأملاكنا، وأيضاً وكذلك مظاهرنا الكاذبة وقبل كل شيء أفكارنا ورغباتنا وشعورنا وليطأ الملك الغالب كل ما لنا ولنخضع له كل ما لدينا من ثمين وقيِّم مقدمين إياه للسيّد.
* كان الشعب يهتف: (أوصنّا (28) مبارك الآتي باسم الرب). إذا كان باستطاعتي أن أتفوَّه بهذه العبارة بكل صدق وطاعة، وإذا كانت تعبّر حقاً عن توق كلي نحو الملك الذي أقبله من كل قلبي، أكون قد ابتعدت، في تلك اللحظة بالذات، عن خطاياي، وقبلت يسوع ضيفاً عليَّ. فأهلاً وسهلاً بالذي يأتي إليّ ! وليكن مباركاً !.
(25) يطلق اليونانيون واللاتين معاً هذا الاسم على الأحد الذي يسبق الفصح. نعرف أنه كان يصار، ابتداء من 397 وفي كل كنائس بلاد ما بين النهرين تبريك النخيل يوم الأحد. أما في أورشليم، في الفترة نفسها، فكان يُحتفل بأحد الشعانين كما يلي: يجتمع المؤمنون عند الفجر في كنيسة القيامة، ومن هناك ينتقلون إلى كنيسة الجلجلة حيث تقام خدمة الأحد العادية. ثم كانوا يقومون بطواف كبير في أوائل فترة بعد الظهر إلى جبل الزيتون حيث يقيمون خدمة أخرى. ومن ثم، ينتقلون، حوالي الساعة الثالثة، إلى المكان الذي صعد المسيح منه، حسب التقليد، ويقيمون خدمة أخرى. من هناك كانوا يتجهون، حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر إلى أورشليم، حاملين السعف وأغصان الزيتون، ويقيمون صلاة الغروب في كنيسة القيامة، ثم يذهبون إلى كنيسة الجلجلة وينهون النهار بصلوات أخيرة.
(26) يريد النبي أن يقابل صورة الملوك التقليدية الراكبين على أحصنة أو عربات بصورة ملك يكون دخوله إلى عاصمته دليل تواضع. الحمار هو على عكس الحصان الذي يوحي بفكرة الحرب والفتوحات.
(27) تنقل رواية متى مع بعض التعديلات رواية مرقس (1:11- 11). يعتبر متى أن يسوع انطلق من بيت فاجي في طريقه إلى أورشليم، بينما يذكر مرقس بيت فاجي وبيت عنيا في آن. يعني بيت فاجي (بيت التين الأخضر). فهل توجد صلة بين هذا الاسم ولعنة التينة العادمة الثمر، في بداية الأسبوع الأخير من تعليم يسوع ؟
(28) كانت كلمة أوصنا العبرية قد فقدت، أيام يسوع، قوتها ودلالتها الأصلية، وأصبحت مجرد هتاف وصرخة فرح أو تأهل. وكانت تستعمل بهذا المعنى في اليوم السابع لعيد المظال المدعو (يوم الأوصنا) أو (الأوصنا الكبير). لكن معنى الكلمة الأصلي كان أقوى من ذلك بكثير، إذ كانت تستعمل بمعنى: (خلِّص الآن، صلِّ)، وكان لها إذاً مفاهيم ماسيانية. وقد وضع الروح القدس هذه الكلمة على شفاه الجمع، لدى دخول يسوع إلى أورشليم، بمعناها العميق القديم، بدون أن يعي الجمع هذا المعنى كليّاً.