أتى العيد

mjoa Saturday May 4, 2013 107

“من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية” لا تحتاج إلى تفسير المفسرين إلا قليلا. قال أكابرنا الجسد هو الذات والدم الحياة. وليس بعد ذلك من تأويل. من أنا لأزيد؟ بعد قولهم ليس من قول. هل جسده كلامه؟ ان كنا نفهم الفلسفة التي في الكتاب الطيب نؤمن بهذا وندرك ما هو أعمق ان كلامه هو.

ليس في هذا سجال. فالقديسون الذين فسروا جسده على انه القرابين كانوا على حق ومن قال انه تعليمه كانوا أيضًا على حق فاذا كان تعليمه هو هو فالقربان هو أيضًا هو. وفي سر شخصك هل من وحدة بين كلام إنجيلك وما سميته أنت جسدك ودمك؟ من عرف في العمق فكر الله يدرك ان كلامه عن جسده ودمه كلام عن ذاته وليس بعد ذاته الا كلام عن ذاته حتى نفهم كل شيء في اليوم الأخير.

لكن كل هذا لا يدركه الا المقربون. اجعلنا، ربي، منهم علني أفهم شيئًا من ذاتك. اذا أكرمت وغفرت لنا خطايانا نقدر ان نفهم. أنت قلت: “يا بني أعطني قلبك”. وأردت بذلك ان نخلي القلب مما عداك كي لا يتعرقل الفهم.
يقبل العيد عند المشارقة بعد أيام معدودات ونتقبله استباقًا الحب لمعرفتنا انا به نحيا. نحن نحيا بتوقنا إلى إماتة المسيح لخطايانا أي بيقيننا ان الغلبة آتية فينا بوعد الحياة التي تنتقل منه إلينا وإلى العالم.

كل شيء في المسيحية حادثة ووعد. الإيمان هو إيمان بواقع يؤتيك الخلاص. والواقع حدث ماضٍ بعضه يثبت تاريخيًا بالشهود. منطقيًا لا تحتاج الواقعة الا لتثبت واقعي بالشهود والوثائق. مع ذلك أصر العهد الجديد على اعتبار موت المسيح موضوع إيمان أي ما هو أكثر من واقعة تاريخية وهذه ما يؤكدها أي مؤرخ ملحد لو كان عائشًا في ذاك الزمان. لذلك كان أي إعلان بعدم موته ليس قولاً تاريخيًا بل موقف عقائدي لا مجال لمناقشته.

لذلك ليس لنا ان نرد على القائلين بعدم موته. هذا اذا سلكنا منطق الواقعية التاريخية. اما اذا لم نسلك هنا المنطق فنكون قد تنحينا عن المنهج التاريخي لنعتمد منهجًا عقائديًا.
فاذا ما قال المسيحيون بموته فإنهم في استنادهم إلى المصادر الرومانية الوثنية لهم حجتهم وفي دعم هذه الحجة بمصادرهم وهي تاريخية وليست فقط من عقيدتهم. الإنجيل ان آمنت به أم لم تؤمن به مرجعًا تاريخيًا من القرن الأول أو القليل منه من بدء القرن الثاني وثيقة ثابتة بأقوال الشهود أو أتباعهم الذين تركوا لنا آثارهم من ذلك الزمن. صعوبة دحضك المسيحية الأولى على مستوى ما أوردته من وقائع ان هذه الوقائع ثابتة بالمخطوطات. أنت لا تستطيع ان تثبت علميًا ان هذا الذي رآه التلاميذ من “بعد القيامة” هو إياه الذي صُلب فهذا من الإيمان ولكنك ان كنت مثقفًا غير مرتهن لموقف عقائدي لا تستطيع ان تنكر صلبه حادثة مادية. لا يبقى عليك إذ ذاك، الا ان تستند إلى ما تعتبره وحيًّا أي تفسيرًا لنصوص عقائدية. ونكون عند ذاك في مقابلة بين نصوص تأويلية ونصوص أخرى تعتبرها أنت تأويلية.

جوهر المسيحية كله الإيمان بأن موت يسوع الناصري حدث مادي تم في ظل ولاية بيلاطس البنطي على اليهودية حول السنة السادسة والثلاثين ميلادية. حول هذا ليس من حوار. أهمية الموقف المسيحي من موت الناصري كامنة في ان إعدام بيلاطس ليسوع الناصري موقف ولا يحتاج إلى شهادة الأناجيل وحدها. وان قوة الموقف المسيحي حول واقعية موت الناصري لا تحتاج إلى إيمانك ولكن إلى إقرار الوثائق الرومانية الوثنية التي تتكلم عن هذا الموت.

أنت حر ألاّ تقبل الإيمان بالمسيح ربًّا ومخلصًا فهذا ليس من التاريخ ولكنك لست حرًّا في ألاّ تقبله قد مات إلا إذا وقفت موقفًا لا تقره واقعية التاريخ. يزيد المسيحيون على هذا قولهم ان موته هو من الإيمان اذ يعطون لهذا الموت قيمة خلاصية.
نحن لا نأتي إلى واقعية موته من إيماننا ولكنا نبني إيماننا على واقعة الصلب وهي واردة في النصوص الرومانية.

قصتنا مع الذين لا يرون ما نرى اننا دين يثبت وقائعه في مصادره. أجل الواقعة لا تلزمك إيماناً محدداً لكن الإيمان ان لم يستند إلى واقع يكون منفصلاً عن التاريخ كليًّا.
نحن ديانة جانب أساسي فيها صلب يسوع الناصري وعجائبه في فلسطين وتعاليمه. الكثير من هذا واقع تحت مجهر الفحص الواقعي وبعض آخر يقع تحت التصديق. أقول هنا ان قيامة المخلص تصديق لأنك لا تستطيع ان تثبت عقليًا ان الذي رآه التلاميذ الكثيرون بعد القيامة هو الذي قام حقًا. هذا من الإيمان. الإيمان ليس ضد العلم لكنه ليس من العلم ولا مناهجه كمناهج العلم.
كل صدقية الإيمان في القلب المؤمن. هذا لا يعني ان الإيمان لا يمت بصلة إلى الوقائع. لكنه ان لم يكن على تماس ما بالواقعة يكون نسج خيال.

من هذه الزاوية ماذا تعني لنا قيامة يسوع الناصري؟ ما قالته الأناجيل ان هذا الذي رآه أتباعه قد قام هو إياه الذي مات. لا تقول شيئًا آخر. لا تتحدث عن انتعاش جثة. لا تصف انتقال يسوع من وضع ميت إلى وضع حي أو محيا. تقول ان هذا الذي رأيتموه الآن حيًّا هو إياه الذي علق على خشبة. أما كيف تم الانتقال من وضع ميت إلى وضع حياة فهذا لم تأتِ عليه النصوص.

ما هم الأناجيل التأكيد ان يسوع الناصري بعد ذبحه الكامل على الصليب ظهر حيا، أكل وشرب وبقي حيا وظهر لإخوته ولمسوه وأطلق حياة جديدة في العالم ونوعًا آخر من البشر تحدى الموت اختيارًا بشجاعة مذهلة وتوقًا إلى القيامة وذلك فقط بعشق ليسوع الناصري.

كل مسيرة المسيحيين الأوائل والكثير من المتأخرين تدل على ان الكثير من لذائذ العالم لم يجذبهم. من كل وثائق الشهداء الرومانية والسوفياتية ترى ان ما كان يحيي المسيحيين كان أقوى من الموت كان فيهم سرّ لا يفسر سيكولوجيا. كيف ماتوا في الإمبراطورية الرومانية وغيرها جيلاً بعد جيل مسحوقين غير متوقعين الا مجدا غير منظور؟ ما سرّ ارتضائهم العيش في فقر يظلون فيه أحباء للرب، مكروهين من مضطهديهم، في هزء من الكثيرين؟

كيف تأكل لحومك الوحوش وأنت لا تتفجع وتقول نساؤك لأطفالهن ألا يبكوا على افتراسهم؟ كل هذا سرّ بقي مغلقًا على العقول حتى طلب الشهداء بلسان إغناطيوس الأنطاكي ان يُطحنوا بين أضراس السباع ليصيروا “قربانًا مقبولاً عند المسيح”.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share