تجليات دمشقية : أحد المخلع

mjoa Monday May 27, 2013 165

    الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
    وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
    … نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

    عظة هذا الأسبوع لقدس الأرشمندريت رومانوس حنات
تجليات دمشقية : أحد المخلع


الكنيسة المقدسة ترتب قراءتنا للإنجيل الإلهي، كل فترة زمنية من السنة، وما يناسب. ففي عيشنا المتواصل للدائرة الليتورجية السنوية ننمو كل سنة، سنة واحدة بحسب إنجيل مخلصنا، رغم أن هذا النمو ليس زمني بالضرورة لكن نعموي. ففي الإنجيل غذائنا اليومي وفي كل يوم غذاء مناسب آخر فيه. وكل الأغذية في الإنجيل مطلوبة لأجل البنيان والقامة وهذا، وبحسب بشريتنا، لكي ننمو وننمو، والنمو لا يتوقف في المسيح فهو هكذا كما “من فرح إلى فرح ومن مجد إلى مجد” وكل حسب طاقته.

رتبت الكنيسة المقدسة آحاداً بعد القيامة تذكاراً للرسول توما وحاملات الطيب للتأكيد على قيامة السيد. تضع اليوم  أيضاً هذا الأحد تذكاراً لحادثة شفاء المخلّع والذي فيه أيضاً نُعطى قيامةً مرة أخرى. كيف هذا؟! بقيامة السيد صار بالإمكان أن نقوم من كل الموت وعوارضه، من كل انحلال وارتخاء من كل مرض أو داء. فبعد أن قام السيد صار علينا أن نقوم نحن أيضاً، كلٌ من تخلُّعه إذا قيامته صارت علامة ودليلاً لإمكانية شفائنا.

 مضى على هذا المخلّع ثمان وثلاثين سنة ولم يكن له أحد يرميه في البركة فيبرأ. لأنه لم يكن له أحد أتى من هو للكل ولأجل الكل ليشفيه من موت دام كل هذه السنين، ولأنه القيامة أقامه من تخلعه حتى أنه مشى حاملا سريره.

من كلام المخلّع في سؤال السيد له “أتريد أن تبرأ”، نرى أنه وصل إلى حال ما عاد يأمل فيه قدوم أحد يرميه في البركة. ليس له أحد بعد. هنا يأتي دور المخلص. رغم أن السيد يعلم أن لا أحد له بعد، سأله “أتريد أن تبرأ”. الإله الكلي القدرة لا يتجاوز حريتنا بل يسأل لأنه لا يقتحم، هو “وديع ومتواضع القلب”. جواب المخلّع “ليس لي أحد” يشير إلى أنه وصل إلى حالة الصفْر حيث لا شي، لا أحد، رغم الثمان والثلاثين سنة. الله لا يتدخل مقتحماً إرادتنا إلى أن نصل حالة الصفر. طالما الإنسان قادرٌ،

الله لا يتجاوز بل يحترم. هو لا يقوم بما يستطيع الإنسان القيام به بل بما لا يستطيع. يذكّرنا هذا بحدث قيامة لعازر الرباعي الأيام، كما يعلّم فم الذهب الأنطاكي العظيم يوحنا، أن السيد القادر على كل شيء، لماذا طلب أن يُدحرجوا الحجر عن قبر لعازر طالما هو قادر على إقامته، ألم يستطع هو أن يُدحرجه؟! يجيب فم الذهب أن الإنسان قام بما يستطيع وهناك حيث لا يستطيع يتدخل الله، عندها قال له “هلم خارجاً” فأقامه. وهنا هي لحظة الصفر بين ما يستطيعه الإنسان وما يستطيعه الله الذي يتدخل فأقامه أو شفاه. في عمل الله مع الإنسان هناك تنحي وإنسحاق الإنسان، بسبب الضعف والمحدودية أمام الكلي الاقتدار، ليصير آنذاك هو العامل، إنه القادر. كل واحد يعمل ما يستطيع. والصفر هنا يعني الضعف لا بل العجز المحمول بالرجاء أمام تلك القوة القادرة، لذا كان جوابه “لي ثمان وثلاثين سنة” عارضاً فيه حاله أمامه. الله يتدخل عندما يكون هناك ضعف لذا “قوتي في الضعف تكمن” يقول الرسول. فالقوي القادر لا يطلب الله لأنه ليس بحاجة الله، أما الضعيف، وهو الأقدر، يعمل الله عنه لأنه يطلبه كل حين بسبب من ضعفه. هو يعرف، أي الضعيف أن لا حول له. لذا أجاب المخلع: “ليس لي أحد” عندها صار الشفاء الأول للنفس التي اتضعت وتلاها شفاء ثانٍ للجسد.

الشفاء هو شفاء النفس وهذا فيه قيامةٌ. في سنكسار أحد المخلّع نسمع المرنّم يقول: “لنفسي المخلّعة جداً بأنواع الخطايا والأعمال القبيحة أَنهض يا رب بعنايتك الإلهية كما أقمت المخلّع قديماً…” ولكي تقوم النفس وتُشفى هناك أمر يجب أن يتم فيأتي السيد الطبيب الحقيقي، هو التواضع في صبرٍ والانكسار دونما يأس. هذا انتظر ثمان وثلاثين سنة فلو يأس وترك المكان لما كان قد شاهد حينها الرب ماراً، فيُشفى.

 لم ينته الأمر هنا، بل وفي الهيكل قال له: “ها قد برأت فلا تخطئ بعد لئلا يكون لك أشرُّ”. الإنسان لا يُخطئ عندما يكون ويسلك في حضرة الله الدائمة. فقط الضعيف هو في حضرة الله لأنه يعلم أن لا يمكنه شيئاً دونما الله. “قوتي في الضعف تكمن” هي قوة على الخطيئة والمرض وقيامة من كل تخلّع.

حادثة المخلّع تعليمٌ لكثيرٍ من الفضائل حتى ننمو قائمين في المسيح. هذا قد صبر كل هذه السنين حتى أتاه، فلنصبر نحن أيضاً. علّه هو يوماً ما، يأتي،  فيقول كلمة واحدة فنبرأ ونشفى.

المسيح قام

!

                                                      قدس الأرشمندريت رومانوس حنّات
                                                                             الأحد 26/5/2013

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share