المسيحيون شهود وحدة سوريا

mjoa Friday June 14, 2013 104

يرفض المواطنون السوريون رفضاً قاطعاً الشائعات التي تتحدّث عن إمكان تقسيم وطنهم سوريا، كما كان الوضع في ظل الانتداب الفرنسي، إلى أربع دويلات هي: دولة دمشق (أغلبية سنّية)، ودولة حلب (أغلبية سنّية)، ودولة العلويين (أغلبية علوية)، ودولة جبل الدروز (أغلبية درزية). لكن السوريين جميعهم من كل الطوائف والمذاهب، رفضوا، آنذاك، هذا التقسيم، وأعلنوا إيمانهم بالوطن السوري وطناً جامعاً لكلّ أبنائه.

هذه الشائعات، التي تعبّر عن رغبة دفينة لدى بعضهم في تجزئة سوريا لأغراض مذهبية وطائفية، لا تزال أوهاماً غير قابلة للتحقيق، في المدى المنظور على الأقل. غير أن الشائعات تتغذّى بالوقائع الجارية على الأرض، وتنتشر كالنار في الهشيم، بسبب ازدياد الاحتقان المذهبي الذي صار واضحاً للعيان بعدما كان شبه مكتوم.

اللافت أن الشائعات لم تكرّس للمسيحيين السوريين (ومعظمهم أرثوذكسيون) كياناً خاصاً بهم. وهذا من لطف الله بهم ومن فيض نعمته عليهم ألاّ تكون لهم حصّة من هذا التقسيم الشائن. فأن تكون ثمة دويلة مسيحية يعني أن المسيحيين يخونون تراثهم الديني والفكري، ويتنكّرون لحضارتهم وتاريخهم وثقافتهم ودورهم وشهادتهم في المشرق العربي.

المسيحيون الشوام، سوريون ولبنانيون وفلسطينيون، هم الذين أطلقوا منذ القرن التاسع عشر وبداية انهيار الدولة العثمانية، مشاريع الوحدات القومية والوطنية، وفصل السلطتين الزمنية والدينية، والعلمانية والاشتراكية. ولم يتبنَّ المسيحيون في سوريا أي خيار طائفي في وجه المذهبيات الدينية الأخرى، بل كانوا، في كل خياراتهم، يبحثون عن الشراكة القومية أو الوطنية مع المسلمين على قاعدة المواطنة التامة في الحقوق والواجبات.

قد يكون العامل الديموغرافي، من حيث انتشار المسيحيين في كل سوريا من أقصاها إلى أقصاها، أدّى دوراً حاسماً في عدم انعزالهم في دولة خاصة بهم. فالمسيحيون بعامة، والأرثوذكس بخاصة، موزّعون، كالمسلمين السنّة، على كل الجغرافيا السورية، الكبرى والصغرى، غير أن الفارق ما بين الفئتين أن إحداهما تملك أغلبية عددية، أما الثانية فأقلية عددية، لكن من دون أن تتملّكها عقدة الأقلوية.

من هنا، كأنّ ثمة دوراً مميزاً للمسيحيين السوريين يعترف به الجميع منذ فجر المسيحية إلى يومنا الحاضر. فهم، حيثما وجدوا، لا يراهم مواطنوهم، إلى أي ديانة انتموا، سوى جسر محبة يصل ما انقطع من علاقات ما بين أبناء الوطن الواحد. وهم، تالياً، يشهدون للمسيح وكنيسته في ظل أي نظام، أو في كنف أي مجتمع. لا تعنيهم الانتماءات الدينية لجيرانهم وشركائهم في المواطنة، ما يعنيهم هو أن يحبّوا الجميع ويسعوا إلى خير الجميع وتقدّم بلدانهم وازدهارها.

بعد قرن من الانتظارات لتحقيق الوحدة العربية، أو الوحدة السورية، أو لتحرير فلسطين، أو لإلغاء الطائفية والمذهبية من النفوس ومن النصوص، أو لتحقيق فصل حقيقي ما بين السلطتين الزمنية والدينية، أو لبناء دولة المواطنة على مدى العالم العربي، أو لممارسة شرعة حقوق الإنسان على أرض الواقع… ترانا اليوم، مع ضيق الأفق، نعود إلى نقطة الصفر، إلى الحلم ببقاء سوريا واحدة موحّدة، إلى الرجاء بألاّ يذهب اللبنانيون إلى فتنة مذهبية لا تبقي ولا تذر… هزلت. والله، هزلت.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share