قضيّة المتروبوليت بولس (يازجي)!

mjoa Tuesday June 18, 2013 82

لا قضيّة المتروبوليت الحبيب سياسيّة، أصلاً، ولا هي طائفيّة! لا الموضوع موضوع جماعات متطرّفة موتورة ولا موضوع جماعات متفلّتة نفعيّة! ولا حدث ما حدث عَرَضًا؛ على الرّغم من أنّ لقضيّته بُعدًا قد يكون سياسيًّا وقد يكون غير سياسيّ. إلى الآن، الّذين يعرفون لم يخرجوا عن صمتهم، لسبب أو لآخر، وقد لا يعنيهم الكلام، والّذين لا يعرفون أمطرونا ويمطروننا بتصوّراتهم وتقديراتهم وإشاعاتهم وتخوّفاتهم ومناوراتهم! أمر واحد ثابت وقصد واحد مؤكَّد، وراء السّيناريو المحدَث وأدواته التّنفيذيّة: ما حدث ما كان ليحدث لو لم يشأ الرّبّ الإله به أن يُفضي لحبيبه بولس ولنا بأمر واحد محدَّد. لا له فقط، بل لنا، ككنيسة أرثوذكسيّة أنطاكيّة، أيضًا، طالما هو، كأسقف، منا ومعنا وبإزائنا!

لا شيء يحدث لأحد من المؤمنين بالرّبّ يسوع خارج قصد الله أو من دون إذنه. في كِلتا الحالَين، لا مطرح لا للعشوائيّة ولا لاقتحام مَن وما لله. “لا أحد يخطف من يد أبي”، قال الرّبّ يسوع. بعد ذلك ما يحدث، لا فرق ما يكون، لا يمكن إلاّ أن يكون، عند الله، لخير عباده! “كلّ شيء يعمل معًا للخير للّذين يحبّون الله” قيل! المعايير البشريّة، هنا، لا قيمة لها! طبعًا، تُحرِّكُنا بشريًّا، وتؤثّر في انفعالاتنا ومشاعرنا كناس. من هذه الزّاوية، لا يمكن، خاصّة الّذين يعرفون أخوّته، عن قُرب، إلاّ أن تنعصر قلوبهم على خطفه! لكنّنا، في الإلهيّات، لا نقف عند حدود البشريّات وامتداداتها. لذا احتضنت الكنيسة الأمر، بدءًا، وتحتضنه بالصّلاة والصّوم، لا بقصد أن يُطلَق سراحُه، حصرًا. طبعًا، هذا نرجوه، لو أمكن، في إطار مشيئة الله له ولنا، لأنّ في ذلك، تعزية للكثيرين وطمأنة لهم ليست بقليلة! نصوم ونصلِّي، بلجاجة قدر الإمكان، ليكون أو ليصيرَ المتروبوليت الحبيب بولس، بالدّرجة الأولى، إليه ونغتني، ككنيسة، به! “إرادة الله قداستكم” في كلّ حال! لا نعرف بما يمرِّرنا الرّبّ الإله، اليوم أو غدًا، من أجل خلاصنا. ما يدّخره لنا يبقى طيّ تدبيره الخلاصيّ! على الرّغم من ذلك، نعرف أنّ ما يجعلنا نعبر به، يعطينا، من نعمته، ما نحتاج إليه، لكي يؤول لقداستنا لا لهلاكنا! نحن، في كلّ حال، نتطلّع إلى ما لا يرى لا إلى ما يرى! هذه قِبلتنا! ونحن، أيضًا وأيضًا، واثقون أنّنا بين يديه بالكامل لأنّه هو، وهو وحده، الضّابط الكلّ!

     في هذا الإطار، ولو كان بإمكاننا أن نتصوّر ما، ربّما، عبَر ويعبر به سيادته، غير أن يؤخذ المرءُ خَطْفًا ويواجِه الموت ببطئ، ذو فرادة لا يختبرها إلاّ الّذي يعبر بها! ثمّة فرق شاسع بين أن تتصوّر أمرًا وأن تتعاطاه في مستوى الكيان! على أنّنا نعرف أنّ نعمة الله، على قدر حدّة المحنة تكون، ليستطيع المرء أن يحتمل ويقوى ويغلب! لا يعرف الإنسان نفسه، على حقيقتها، إلاّ متى انوجد في حال عصيبة، وقد لا يأتي أمرًا محمودًا إلاّ تحت الضّغط! قد يكون، في الأحوال العاديّة، مائلاً إلى الخوف أو إلى الجرأة، لكنّه، متى صار في وضع لا حول ولا قوّة له، فلا أحد إلاّه وربّه يعرفان ما يمكن أن يجول في خِلده وما يعتريه من مشاعر في الحشا! في كلّ حال، لا يكون متروكًا! وقد يجد نفسه، فجأة، مدرّعًا بقوّة داخليّة لا يعرف من أين تأتيه! كما قد يُصاب بالذّعر، للوهلة الأولى، ثمّ بذِكر الله يطمئنّ قلبُه! في سِيَر معترفينا وشهدائنا، في كنيسة المسيح، الكثير من هذا. قد يجد المرء نفسه في نزاع داخليّ بين الخوف والشّوق إلى الشّهادة، ثمّ، فجأة، بتدبير العليّ، تنفذ نعمة الله لتشدِّد الأوصال المسترخية والركب المخلَّعة. في هكذا مناخ، نعرف، من جهة، أنّ الله لا يحمِّل أحدًا من عباده فوق ما يستطيع، كما نعرف، من جهة أخرى، أنّه إن دفعه أو تركه يسير في اتّجاه التّجربة المرّة، فإنّ ذلك يكون من قبيل اختياره لعبده، كمِن خاصَّته، لكي يتنقّى بالمحنة وتحلّ عليه البَرَكة باللّوذ بالله ويتقدَّس بالتّسليم! إن لم يكن أحدٌ ليعيش من أجل ربّه إلاّ بمنّة منه، فليس أحد يموت من أجله إلاّ بنعمته! والمعترفون، في كلّ حال، بذار الكنيسة!.

     لا نعرف إذا ما كان المتروبوليت الحبيب بولس لا يزال حيًّا أو قضى! لذا نصلّي من أجله حاسبين أنّه لا زال، بعدُ، حيًّا يُرزَق، دون أن نستبعد، كلّيًّا، أن يكون قد ارتحل! همّنا، إذا ما كان حيًّا، بعدُ، في الجسد، ألاّ يخور، أن يتشدَّد بالنّعمة ويتقوّى ويتنقّى ويتقدّس ويشهد لربّه حيًّا حتّى الموت! وهمّنا، إذا ما كان قد ارتحل أن يندرج في عداد الأبرار والقدّيسين! لذا نقيم في الصّلاة من أجله بثبات، لا نعقد على أحد، أو على جهة محدَّدة، أملاً في إطلاقه أو في إيصال الخبر اليقين بشأنه. رجاؤنا بالله! إليه نُسلِم أمرنا! ولنا ملء الثّقة أنّ الصّلوات الّتي رفعناها ونرفعها على نيّة حبيبنا وأخينا ومتروبوليتنا بولس لا يمكن أن تذهب هدرًا! كما أَقْيَمُ العملات في العالم تُحوَّل إلى هذه أو إلى تلك من مثيلاتها وفق الحاجة، كذلك يُحوِّل الرّبّ الإله صلوات المؤمنين، في كنيسة المسيح، إلى رصيد مَن تُرفَع على نيّتهم وفق الوضع الّذي هم فيه، والحاجة الّتي تكون لهم. ثمّ لا يمكن للرّبّ الإله، بطريقة هو يعرفها، إلاّ أن يبثّنا خبرًا بشأنه، حتّى لا تبقى نفوسنا، بشأنه، معلّقة إلى المنتهى! ليس الله بظالم ولا بغير مبال! حيٌّ هو الله الّذي أنا واقف قدّامه!

     أمّا نحن، الكنيسة، فأن يتعرَّض عضو منّا وأخ بيننا وملاكٌ فينا لما تعرَّض له المتروبوليت بولس، فهذا امتحان لنا ومؤشّر ونبوءة من عند الله. كلّنا معنيّ بلا ٱستثناء! نحن أعضاء بعضنا البعض ما دام إلى جسد المسيح انتماؤنا. الّذي بيننا لم ينوجع، وكأنّه غير معنيّ بما جرى، هذا حِسّه في المسيح ميت، ولا ينتمي إلى كنيسة المسيح لا بالرّوح ولا بالحقّ! الأعضاء الّتي لا تحسّ بوجع أحدها الآخر تكون أو يكون الموت قد غلّفها! سبيلنا، والحال هذه، أن نتوب قبل فوات الأوان! مَن لا يتوب ليستعيد الإحساس بمعاناة أعضائه والعالم يموت قبل أن يموت! والّذي بيننا لا تهمّه سوى القراءة السّياسيّة للحدث وأنّ المسيحيّين، في خطر، فيهرب أو يثير الذّعر في قلوب العباد ويوظّفه لصالحه، فهذا غريب عن الله ولا يعرف أن يقرأ فكر المسيح ولا أن يتفكَّر في مقاصد الله من زرع المسيحيّين في هذه الدّيار! نحن مزروعون هنا لا لنكون قبيلة بين قبائل الأرض، بل لنكون شهودًا لله، رائحة المسيح، نبثّ المحبّة والخدمة والتّواضع والصّبر والوداعة والفرح، في هذه البقاع. نحن لسنا لأنفسنا! نحن اشتُرينا بثمن! لله بتنا! شهودًا للحقّ نقيم! خرافًا! بَرَكةً! نعمةً! نحدِّث بمجد الله ونخبر بأعماله! لذا يأتينا خطفُ المتروبوليت بولس امتحانًا، في مستوى الكيان، ننجح فيه بالغيرة على بيت الله أو نفشل باللاّمبالاة بهذا البيت!

     والحدث، في عمقه والخبرة المعيشة، مؤشّر أنّ منابع الحياة الإلهيّة فينا، اليوم، تعاني الجفاف! اليباس يكاد يأكلنا! الفردانية تتآكلنا! إذا ما كانت آلام الّذين يتألّمون بيننا من أجل المسيح لا تعنينا ولا تحرِّكنا من مواتنا، ولا توقظنا لنندرج بالتّوبة والبذل والتّضحية في حياة كنيستنا، فلا ما يجمعنا، بعدُ، أحدنا إلى الآخر! وإذا لم يجمعْنا المسيح ومحبّته والضّيقات من أجله… إذا لم توحّدنا المعاناة في المسيح، فليس، بعدُ، ما يوحّدنا! لم نعد لا في هذه الكنيسة ولا منها! الّذين لا يجتمعون في زمن العسر باسم المسيح، فلا قيمة لاجتماعهم، في زمن اليسر، حتّى باسمه! الآن زمن الغربلة! كلّ زرع لم يزرعه الآب السّماويّ يُقلَع! كلٌّ يَفرز نفسه بلا مبالاته! من أين أنتم؟! لست أعرفكم! انتهى الزّمن الّذي كنّا نعتبر أنفسنا فيه مسيحيّين مستقيمي الرّأي بالاسم! الأحداث تتسارع وتضغطنا! صليب المسيح يجمعنا، اليوم، أو يجعلنا نفترق إلى الأبد! الكلام لم يعد يكفي! لأوجاع المشرق، اليوم، خطاب آخر! إمّا نتعلَّم لغتنا المنسيّة من جديد، لغة الشركة، أو تلتهمنا ألسنة بابل، وربّما على غير رجعة!

     خَطْفُ المتروبوليت بولس الحبيب، من بين حوادث عدّة، هذه الأيّام، نبوءة أنّه لم يعد بإمكاننا أن نبقى في كنيسة المسيح من دون بذل وتضحية ودم! حيث لا يختار المؤمنون أن يتعبوا في عمل المحبّة، يفرض عليهم الرّبّ الإله، عن محبّة، واقع الألم والضّيق والموت! فكلّ مَن لا يشاؤون أن يبذلوا أنفسهم من أجل المسيح يُقْطَعُون! لقد قست قلوبنا ولم نعد نسمع! ليست لنا، بعدُ، إلاّ فرصة أخيرة: أن نسمع بالوجع! مسيح الرّبّ يريدنا لفرحه للخلاص! لذا قوّة الكلمة خفتت وصراخ الوجع يصيح! المَشرق يحترق، والعالم كلّه يغلي! إلى أين نذهب؟! لم يعد لنا مكان في الأرض لا يلاحقنا فيه القلق! فإمّا نحمل صليب المسيح ونحيا، وإمّا نحمل صليب العالم ونموت! لا هروب، بعدُ، من مواجهة استحقاقات استغراقنا في خطايانا وفردانيتنا ولامبالاتنا!

     أمّا في شأن حبيبنا المتروبوليت بولس، فللّه فيه توقيته، لا مَن ينقص منه ولا مَن يزيد عليه!

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share