الحياة الجديدة

mjoa Saturday August 3, 2013 348

كل كتابة حاجة لشعورك بأنك موجود اذا سمعك ناس. طبيعة الإنسان شركة. كل منا يشعر انه مواجه (بالفاعلية والمفعولية). ليس من فرد مغلق. أنا أفهم تأكيد الثورة الفرنسية للفرد اذ رفضت التبعية للملوك ولكنها أكدته قائما في الجماعة. الجماعة ليست الجمهرة. انها التلاقي أي وجود واحدنا في اللقاء. اللقاء ينعت الواحد، يؤكده اذ ليس أحدنا قائما الا مع الآخرين وبهم. ذلك انك وجه، أي في حالة دائمة من المواجهة.

الآب عندنا يؤكد الابن وروحه والابن يؤكد الآب. الثالوث ليس تراكما. هو مواجهة ولذلك كان حبا وكان وحدة. الكاتب من اضطره داخله إلى الكتابة، من ينوجد اذا قال. أنت تكتب لمن أحبك والا لما فهمك أحد. ما من وجود الا بالتلاقي. هذا ما يسميه المسيحيون الكنيسة. ما من حياة بتراكم الأفراد. أنت تحب أو أنت تصطدم وكلاهما لقاء. أنت لا تبغض الآخر الا لأنك تؤكده. وقبل ان تمحوه تقر به. البغض اعتراف بالآخر على طريق الموت أو في استمرار الحياة. القبول أو الرفض كلاهما اعتراف لأن الحياة شركة تريدها أو تبغضها ولكنها قائمة من حيث هي شركة.

لا يحيا احد في عزلة. من اعتزل يعتزل عن ناس يكرههم أي يعترف بوجودهم. من قتل لا يقتل الا لشعوره بأن المعد للقتل يتمتع بوجود هو يكرهه. كلمة جماعة ذات مفهوم نفسي أو إنساني لا تجد مدلولها بكلمة مجتمع التي تفيد، عادة، العدد. الناس ليسوا عددا. بينهم إنس أي تعارف وهو الإيمان بشيئين باستقلال كل وجه وباجتماع الوجوه.

الإنسان وجه يَرى (بفتح الياء) ويُرى (بضم الياء) أي انه مع ناس يتلاقون. البغض نفسه تلاق على نوع. الناس غابة، الفارق بينها وبين غابة الشجر ان هذه لا تعي وتلك تعي تلاقيها. الإنسان السوي من عرف انسانية الآخر أي فرادته وقيمته وقدرته على العطاء. والمعطون متلاقون وأحيانا متحابون. المجتمع ليس تراكما. انه اتحاد بل وحدة.

ليست الوحدة وصية فقط. انها وجود في طبيعتنا. لذلك كنا في مفهوم القرآن أمة وفي المفهوم المسيحي كنيسة وللكلمتين مدلول واحد. والمجتمع الذي لا يصبو إلى ذلك شرذمة. المجتمع ليس معطى الا ابتداء. انه يصير بالحب والا كان ركام بشر لا هوية لهم.

يصبو المجتمع ان عرف طبيعته ان يصير كنيسة ولا أريد بها حصرا مدلولا مسيحيا ولكن كل كيان عضوي ينزع إلى وحدته في الحب. خارج الحب إحصاء. كل مجتمع مشروع لقاء للقلوب والا كان مجموعة مهن. الناس اذا انفردوا غابة بشر. لا يصيرون مجتمعا الا اذا تلاقوا بمقدار من المحبة فالتعاون. فكرة النقابة العصرية تقوم على مشاركة أبناء المهنة الواحدة. فكرة التنافس نفسها غايتها التعاون، والارتقاء من أجل التعاون. تلاقي أهل المهنة الواحدة في سوق واحدة في القرون الوسطى الاوروبية أو عندنا ليست قائمة على التنافس ولكن على المشاركة. وابتغى الناس من وراء التنافس التعاون.

النقابة ولو تضمنت فعليا التنافس بين أهل المهنة انما تسعى إلى جمع المهارات لإبراز المهنة وما وراء ذلك التعاون. شرط التعاون المحبة التي هي الاعتراف الأساسي بضرورة الآخر لك، لحياتك ولشعورك.

كل هذا الكلام يعني المشاركة التي في عمقها تعني انك موجود اذا أحببت. بكلام آخر أنت قائم بالآخر، مصون بوجهه اذا رأيته واذا رآك. أنت اذا أنكرت نفسك وأحببت أي اذا سكبت نفسك في الآخر تنمو والآخر ينمو. ليس انك تنكر وجهك ولكنك تعي ان وجهك قائم ليرى الآخر وليراك هو. ولتصيرا حسب منطوق الكتاب “جسدا واحدا” وفي اللغة الحديثة وجودا واحدا.

أنت تحب اذا رأيت نفسك قد جعلت الآخر يسعى إلى الله في كل إنسان. أنت تحب للآخر ان يصبح كما يجب ان يكون أي قائما في الحب لكي يبيد أنانيته. من أحب نفسه فقط يموت في أناه المنغلقة. من أحب الآخرين لما يجب ان يصيروا يذهب بهم إلى الأسمى المشتهى ويصير هو نفسه إلى هذا المشتهى.

ما لم يكن تحركك إلى الأسمى تكون في تحرك حول ذاتك فلا تنتج شيئا. ما فوقك يعطيك أي ينزل عليك نعمة.

عندما يدعوك الإيمان إلى ان تنسى نفسك هو لا يدعوك إلى إهمالها ولكن الا تموت في الشغف بها. يريد انك ترفض تقوقعها لتسمو بها إلى معانقة كل النفوس بالله وفي الله. ذلك انك تتحقق بالرب الذي يفوقك، تمتد، تطول. هذا هو الخروج من الاختناق بالأنا. هذا هو معنى كلام السيد “من أراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن اهلك نفسه من اجلي يجدها” (متى 16: 25).

أنت موجود بالآخر بمعنى انك ان درت حول نفسك تختنق. أنت غير موجود بتأكيد نفسك. أنت موجود برؤيتك الآخر وتكونك بهذه الرؤية. أنت موجود بخروجك من رؤية وجهك بالمرآة ورؤية الآخر كما يراه الله أي بالمحبة. كل ما كان غير رؤية المحبة للآخر استيلاء عليه.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share