تاريخ المسيحيّة تاريخ شهادة

mjoa Wednesday September 25, 2013 170

احتفل المسيحيون، يوم أمس الرابع والعشرين من أيلول، بعيد القديسة العظيمة تقلا “أولى الشهيدات”. وُلدت تقلا في مدينة إيقونية (آسية الصغرى) من أبوين وثنيّين، وتفيدنا سيرة حياتها بأنّها تبعت القديس بولس الرسول بعدما اهتدت بواسطته إلى الإيمان المسيحي. لم يرد ذكر تقلا في الكتاب المقدس، غير أن كتاب “أعمال بولس وتقلا” المنحول، الذي دوّن في نهاية القرن الثاني للميلاد، يروي تفاصيل جهادها واستشهادها.

تحتلّ القديسة تقلا مكانة سامية لدى المسيحيين في سوريا ولبنان، وتنتشر الأديار والكنائس التي تحمل اسمها في كل نواحي بلاد المشرق العربي. ومن أشهر هذه الأديار دير القدّيسة تقلا في معلولا التي كانت تستقطب، في أيام العيد، آلاف الحجّاج والزائرين، مسيحيين ومسلمين، الآتين من كل المدن والأرياف السورية واللبنانية.

تقع بلدة معلولا في جبال القلمون، أي في المقلب الشرقي من سلسلة جبال لبنان الشرقية، في موقع فريد وغريب في شُعب (شقّ أو فجّ) بين جبلين. وقد اعتنقت معلولا الإيمان المسيحي منذ العصر الأوّل للمسيحية، وذلك عن طريق أحد الرسل أو أحد أتباعهم المباشرين القادمين من دمشق. وتتميّز هذه البلدة بالمحافظة على لغتها المعلوليّة التي هي لهجة من اللهجات السريانية الآرامية التي تكلّم بها السيد المسيح في تعليمه ومواعظه وخطبه، والتي دوّنت بها أجزاء من إنجيل القدّيس متّى، والتي لا يزال بعض سكّانها يستخدمونها حتى يومنا هذا. وتضمّ معلولا آثاراً جمّة، من مغاور وكهوف وأديار وكنائس ومعابد، هي شواهد لما كانت عليه في الزمن الغابر من الحضارة والإبداع وازدهار المسيحية.

حال العيد، هذا العام، يصحّ فيها قول الشاعر: “عيد بأيّة حال عدت فيها يا عيد”. وقد جاء في نداء أصدرته البطريركية الأنطاكية الأرثوذكسية: “يعيش دير القدّيسة تقلا أيّاماً صعبة ومؤلمة حالياً. فالدير يقع في وسط منطقة لتبادل النيران، الأمر الذي يجعل من عملية تموينه عمليّة شاقّة للغاية ومحفوفة بالمخاطر”. يأتي العيد، والملتمسون بركة القدّيسة تقلا وشفاعتها غائبون.

ثم يؤكّد النداء الأرثوذكسي تمسّك البطريركية بالشهادة المسيحية الحق من حيث الدعوة إلى الالتزام بالقيم الإنجيلية، وأوّلها المحبة، والنبذ المطلق للعنف. في هذا السياق يقول النداء إن الدير “يشكّل دعوة واضحة للمحبّة والسلام والتآخي بين أبناء الوطن الواحد. ونحن مصرّون على أن نبقى فيه لنشهد لمحبّتنا لوطننا ولجميع أبنائه، ولنعبّر للجميع عن رفضنا المطلق للعنف وما يجرّه من ويلات على البشر والحجر”.

هذا التاريخ المجيد للحضور المسيحي في معلولا، وفي كل قرية سورية استمرّت فيها المسيحية أو اندثرت، يحضّنا على التمسّك بهذه الأرض التي تقدّست بصلوات الأبرار والقديسين على مرّ العصور والحقب. وقد استمرّ الوجود المسيحي في سوريا في ظلّ الاضطهادات كلّها، وذلك بفضل التزام أجدادنا بالأركان المسيحية الثلاثة: الإيمان والرجاء والمحبّة. ويخبرنا التاريخ أيضاً أنّ المسيحيّين في غابر الأيام لم تكن ظروفهم أفضل ممّا هي عليه اليوم. فهم عانوا وقاسوا من الظلم والعدوان ولم يلجأوا إلاّ إلى الصلاة والصوم والعبادات والتسليم المطلق للعناية الإلهية بهم. لم يبالوا بالاضطهادات، صمدوا في ديارهم، لم يبخلوا بدمائهم وحيواتهم في سبيل بقائهم شاهدين للربّ حيث وُلدوا ونشأوا. بقوا أوفياء لمسيحيّتهم ولمسيحهم الفادي، فحملوا صليبهم إلى المنتهى. تاريخ المسيحيّة تاريخ شهادة وحسب.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share