أعود اليها ولا أكتفي، إبنة كنيستي…
هي باقية في مكانها. مُسمّرة الى الكرسي الملتصق بعامود الكنيسة. كأنّي بربّي يجدّد،بها، صرخته “أنّ على مثل هذه الأسس أبني كنيستي”.
امتلأت الكنيسة أم فرغت باقية هي في مكانها. فبها، وبمثلها، تمتلئ الكنيسة، وبدونها، وإن امتلأت، تفرغ!
تنتصب، هي، بصوت متصاعد الى السماء… يُغرّد الصلاة، وقامة منحنية أمامها.
تُغرّد، لا لتطلب شيئاً لذاتها… فهي مكتفية بقساوة الحياة وشدّتها. مُكتفيةٌ لأن يقينها أن الله أشبعها نعماً. أشبعها – وهي القيروانية الهوى – واحات صلب وصبر وخدمة وحبّ.
تُغرّد وتنحني، فقط، لتُسكر الربّ بصوت الأبرار وتشكر الفادي على ما كلّفها باسم الصليب.
تُغرّد وتنحني، فقط، لتلبّي التكليف وترفع الوجوه التي في عينيها، لتحلّ مكانها، في لطف السيّد.
فافرحي يا تلك الوجوه التي عرفتها ومرّت بها. افرحي لأنها، من الفداء الأعظم، أعطيت أن تخفّف من وطأة ضعفاتك بجهادها، ويأسك برجائها، وغيابك عن الفرح الالهي بحضورها.
غريب شأنها! غريب شأن ابنة كنيستي، كيف لها أن تزيدها المآسي فرحاً، والشدّة سلاماً، والقهر لطفاً وحباً؟
كيف لها أن تزيدها قساوة الحياة سحراً بهواء الجلجلة وقرباً من الجسد المطعون؟
لعلّها تعاين حيث هي ما لا ندركه من سحر القيامة في الصليب!