(*) مقابلة صحفية حول هواجس الشباب

mjoa Sunday November 16, 2008 387

هذه إجابات عن اسئلة طرحتها عليّ، في 16/7/1994، الآنستان حنان معوّض واليان العمّ، مندوبتا “نهار الشباب”، وهي ملحق لجريدة “النهار”، وقد صدرت أجوبتي الخمسة الأولى في “نهار الشباب”، عدد 23/8/1994. أعيد تسجيل إجاباتي كلها، مع تعديلات أوردتها بين قوسين.6/2/2006

.

 

1- ما هي هواجس الشباب الأساسية؟
يعزّ عليّ أن أتحدث عن الشباب بشأن هواجسهم، وكأنّني أدّعي لنفسي حقّ الكلام نيابةً عنهم، بينما كان همّي دومًا أن اتحدث معهم، فاستمع اليهم وأصغي إلى ما يقولونه عن أنفسهم، وأكتفي بالتعليق عليه انطلاقًا مما أتيح لي أن أكتسبه من خبرة ومعرفة.

ألا أنه، وقد طُرح عليّ السؤال، فانني أسمح لنفسي بأن أذكر، في ضوء صلتي الطويلة بالشباب ومتابعتي الحثيثة لشؤونهم وشجونهم، (أفراداً وجماعات)، ما يبدو لي أنه يشكّل بعضًا من هواجسهم الأساسية.

• التوق إلى تحقيق ذواتهم على أكمل وجه ممكن، في مستقبل يأملون أن يأتي مؤاتيًا لتطلعاتهم وأن يكون لهم كلمة ومساهمة في صنعه.

 

• الرغبة بأن يُعترَف بهم وبوجودهم الفريد وبمعاناتهم وأحلامهم.

• الرفض بأن يُعتَبَروا تكرارًا للماضي ونسخة عمّن سبقهم.

• المطالبة بحقّ عيش خبرتهم الخاصة، في ظروف جيلهم، وابتكار تعبير جديد عن قيم التراث الحضاري، دون أن تُسَدّ عليهم الطريق مسبقًا وتُنـزَع المبادرة منهم، بحجة خبرة الأجيال التي سبقتهم.

• الحاجة إلى أن يؤخَذوا على محمل الجدّ، ولو لم يكونوا بعد “منتجين” (بالعرف الإجتماعي لهذه الكلمة) وأن تُسمَع آراؤهم، ولو اتّسم تعبيرهم عنها بشيء من الرعونة والنـزق.

• الحاجة إلى أن لا يستقيل الأكبر سنًا حيالهم، إذ هم بحاجة اليهم (وإلى صلابتهم)، وحتى إلى معارضتهم (ولو ضاقوا ذرعًا بها)، لينجزوا بناء أنفسهم، شرط أن يَقبل أولئك بالدخول في حوار حقيقي معهم وأن لا يتخذوا من سنّهم أو سلطتهم ذريعة لإسكاتهم.

• الإصرار على أن تولى حاجاتهم في شتى الميادين، من اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية (وعاطفية) وروحية، الأهمية التي تستحقها، وأن يمنحها المجتمع مركز الصدارة في هواجسه وخططه، ليشعروا أنهم فعلاً أثمن ما لديه، كونهم أمله في النهوض والنموّ والتجدّد.

 

2- ما هي أسباب الخلاف بين الأهل والأبناء؟
الموضوع واسع جدًا ومتشعّب وقد خصّصتُ له أحد كتبي، الصادر بعنوان “خلاف الأهل والأبناء” (منشورات النور، طبعة ثانية مزيدة، 1992)، والذي نقلتُ فيه آراء الشباب أنفسهم (عِبرَ استقصاء أُجري في إحدى المؤسسات التعليمية) حول أسباب هذا الخلاف، وكنت قد تعرضت قبلاً لهذا الموضوع في كتابي “مع تساؤلات الشباب” (منشورات النور، الطبعة الثالثة، 1985، القسم الأول، الفصل الأول: علاقة الأهل بأولادهم المراهقين)، ثم عدتُ إليه في حديث لي بعنوان “بعض الأضواء على تأزّم العلاقات بين الشباب ووالديهم” نُشر ضمن كتابي”هواجس شبابية حول الأسرة والحب” (منشورات النور، 1986) .

ما يمكنني أن أقوله هنا بإيجاز، هو أن ثلاثة عوامل تساهم بشكل أساسيّ في إذكاء خلاف الأهل والأبناء، ألا وهي الإختلاف بين الأجيال، ازدواجية الحبّ الوالديّ، وازدواجية المراهقة.

• فمن جهة، ينتمي كل من الأهل والأولاد إلى جيلين مختلفين بسماتهما. لم تكن هذه مشكلة حادّة عندما كانت الأجيال، في تعاقبها الزمني، تتماثل إلى حدّ بعيد ويكرّر كلّ واحد منها ويُخلّد صورة الذي سبقه، كما هي الحال في المجتمعات التقليدية. أما اليوم، وفي ظلّ الحداثة، التي ينسحب أثرها، بشكل أو آخر، على المجتمعات كلّها، فالتطوّر يتسارع بحيث يتسّع الشقّ بين جيل وجيل كما لوكانا يتكلمان لغتين مختلفتين. فما نشأ الأهل عليه من حيث مفاهيم السلطة وقواعد اللياقة وأنماط اللباس والهندام وأصول العلاقة بين الجنسين وغير ذلك، غريب إلى حدّ بعيد عما يتوق إليه البنون بتأثير عصرهم، فيستهجن طرف ما يحبّذه الطرف الآخر والعكس بالعكس. من هنا ينشأ سوء التفاهم ونوع من “حوار الطرشان”.

• من جهة ثانية فان المحبة الوالديّة، وإن سمت قيمتها، تتّسم بازدواجية لا تخلو من خطر. فهي (من جهة) قوية، مضحيّة ومتفانية، على وجه العموم، ولكنها (من جهة أخرى)، تنـزع، من حيث لا تدري إلى حد بعيد، إلى إحتواء الولد واعتباره امتدادًا للوالدين ليس إلاّ.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share