كلام صعب وحقيقة أصعب!

mjoa Monday February 3, 2014 67

…نعرف المحصّلة سلفًا! المسيح قام! بالصّليب أتى الفرح إلى كلّ العالم! “أتى”، ولو كان فعلاً ماضيًا، فهو، في العربيّة، قابلٌ لأن يكون شاملاً الماضي والمستقبل قائمَين في الحاضر! إذًا، الآتي أُعطيناه ونذوقه كلّ حين، ونحن عابرون إليه! لسنا نتطلّع إلى مستقبل نجهله! نسير من حاضر إلى حاضر إلى الحاضر! الحاضر، في المسيح، أبديّة! والحواضر تماميّات أبديّة تتنامى! من مجد إلى مجد أسنى! على الرّجاء! الرّجاء لا الأمل! الأمل ما تعاينه بهواك! فيما الرّجاء أن يعاينك ربّك بالإيمان! “نحبّه لأنّه هو أحبّنا أولاً” (1 يوحنّا 4: 19)! “اطّلع من السّماء وانظرْ وتعهّد هذه الكرمة” (مزمور 79: 14)! لا تصرف وجهك عن عبدك… أنظر إلى نفسي وخلّصها” (مزمور 68: 17 – 18)! ولكنْ لا صليب، ومن ثمّ لا قيامة لنا، إلاّ بالتمثّل! لا تمثيل في الإلهيّات! لستَ على خشبة مرسح! أنتَ، ما يجري في داخلك، هو مرسحُ صليبِ المسيح وقيامته! ليس الخطاب عن الدّم والنّور بل الدّم والنّور هما الخطاب!

     صراعنا، على هذا، من نوع آخر! ليس كصراعات البشر! صراعات أبناء هذا الدّهر تصنع الأوابد (الآثار) ختامًا! صراعات أبناء الدّهر الآتي تصنع الأبديّة ختمًا! الأوائل يصارعون ليَحيوا على حساب بعضهم بعضًا! والأواخر يصارعون أنفسَهم ليُحيُوا، بموتهم، بعضَهم بعضًا! الآخرون حياتُهم! أخي هو حياتي!

     في الكنيسة، اليوم، صراعُ وجود من نوع لم يسبق لها أن عرفته في كلّ تاريخها! الصّراع على السّلطة كان، دومًا، هناك! الاضطهاد عرفَتْه ولا زالت! اليوم قرأتُ، أنّ المسيحيّين، وفق الدّراسات الإحصائيّة، في السّنة الفائتة، كانوا ضحايا الاضطهاد أكثر من كلّ ديانات الأرض! حرب الهرطقات في الكنيسة لا زالت مستعرة منذ القرن الأوّل! عمليًّا، لا جديد مأسويًّا يُذكَر إلاّ آفة أساسيّة واحدة تجرّ سيلاً من الآفات المتفرّعة منها! هي أيضًا، في نوعها، كانت، أبدًا، قائمة! لكن الجديد والخَطِر في شأنها، مداها وعنفها اللّذان اتّسعا إلى ما لم يعد بالإمكان حدُّه وضبطُه وفرزُه! عنيت بهذه الآفة، أو قل بهذا الوباء، الزّنى بكلّ أشكاله! روح الزّنى يتفشّى على نحو مروِّع! الصّراع من أجل العفّة، اليوم، هو الصّراع الأوّل (بأل التّعريف)! الشّهيد الأكبر اليوميّ، هو العافّ! العفّة، أصلاً، أمّ كلّ الفضائل، وكلُّ ما يُعتبر فضيلة، بين النّاس، من دونها، يَفسُد، دروا أم لم يدروا! البشريّة تستحيل دار أيتام كونيّة! إن اقتنى أحد العفّة سَهُل عليه اقتناء كلّ فضيلة بلا استثناء! اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، تتمحور الحياة، في المسيح، في العفّة قطْعًا! حتّى ليصحّ القول إنّه بالعفّة وحدها تنحفظ كنيسة المسيح! فيما الزّنى، بكلام مباشِر، هو إيّاها “رجسة الخراب” (متّى 24: 15)! إلى هذا الحدّ باتت العفّة ملحَ الأرض وبات الزّنى فسادَه!!!

     بعد مسير السّقوط، باتت العفّةُ جوهرَ المحبّة! لذا المحبّة بلا عفّة عواطف بشريّة ساقطة! فلا غرو إن أضحت وصيّة المحبّة، عمليًّا، اليوم، وصيّة العفّة! العفّة، بالأمس، كانت، إلى حدّ ليس بقليل، من نسيج المجتمع! القدّيسون، شهداءً ونسّاكًا، حتّى القرن السّادس الميلاديّ، نقّوا العالم من روح الزّنى إلى حدّ بعيد! العفّة، بعامّة، أضحت ميسّرة! بيئةٌ منقّاة، مجتمعٌ متماسك وقليل جُهد، فكان المرء يحصِّل العفّة بيُسر نسبيّ! اليوم الجماعة، بالأحرى، كتلةُ فسق والمجتمع ينحلّ، فصار مُحالاً على المرء أن يبلغ العفّة إلاّ مضرَّجًا بدمه، بشقّ النّفس، وليس من دون نعمة عظيمة! القطيع يصغر لأنّ ثمن العفّة يكبُر! الكنيسة الأولى انطلقت من عنف شهادة الدّم، في عالم يناهضها، لتؤول، هذه الأيّام، إلى عنف شهادة عفّة الرّوح في عالم يمتحفها!

     البلوى الحاصلة أنّ الزّنى، في العالم المسيحيّ، يتطبّع! باتت مُتسامَحًا بها كأنّها لا تؤثِّر في فحوى الإيمان بالإنجيل! بدأنا بالقداسة، ثمّ تقدّمنا إلى الإشراك، ونحثّ الخطى، راهنًا، باتّجاه ما لا يَنبغي، معترِشًا قدس الأقداس! هيكل الرّوح القدس يستحيل، في مسير التّاريخ، هيكلَ زنًى! “زنيتِ على اسمكِ”، قال حزقيال، لمّا أراد وصفَ حال إسرائيل السّاعية إلى عبادة أوثانها. اليوم، إسرائيل الجديد تزني على اسم الله في قدس أقداس إلهها/ أوثانها، أي في إنسان قلبها الخفيّ لتُشيع في الأرض روح زناها… باسم مسيح الله! أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله!

     كأنّه بات، من تَراكُم التّهاون واللاّمبالاة، أن يتسامح شعبي بإقامة روح الزّنى في وسطه حتّى يتاح لكنيستي أن تستمرّ! الخيار يمسي بين أن تغضّ الطّرْف عن روح الزّنى لديك لتَبقى، وبقاؤك، إذ ذاك، يستحيل أوابد، على كمّ من النّاس وهياكلَ من حجر وطقوس مفرَغة من روح الله، وأن تنبري لتنقّي بيدرك، وأكثره وهنت عزيمته، وزاد هشيمه، وفرغَ لحمُه وتفشّى مواته! ماذا يبقى لك إذ ذاك؟! حفنةَ مؤمنين يحفظون أنفسهم هنا وثمّة؟! قطيعًا صغيرًا؟! مَن تُراه، ولو تكلّم، يرضى بأن يكون القطيعُ صغيرًا؟! المفتخَر به أجسادٌ مكدّسة بلا روح! ما زال الحلم أن نحفظ وحدة ما تفرّق وتفرَّغ! الجبلُ يتفتّت، ومهما وسّعت كفَّك فلن يسعك أن تجمعَ إلاّ القليل إلى واحد! الرّمل تنسلّ حُبيباتُه من بين أصابعك، فتلقاك صِفْرَ اليدين، إلى آمال عِراض وإحباط لا قرار له! بات النّاس أسرى العجز الكبير! ولكنْ، عند ربّك ما ليس عندك! لسنا بإزاء اليأس، إلاّ مِن تدابير البشر؛ نحن بإزاء الرّجاء الكبير بالله! السّيّد يأخذ الكلَّ بيده! لا تَخَفْ أيّها القطيع الصّغير لأنّ أباكم سُرَّ أن يعطيكم الملكوت!

     المهمّ أن تثبت إلى أن يجيء! لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين! أيّة موافقة لهيكل الله مع الأوثان! ارحموا كثيرًا، ولكنْ لا تشتركوا في خطايا الآخرين! اخرجوا، روحيًّا، من بينهم! احفظوا أنفسكم طاهرين! لم يعد بإمكان النّاس، حتّى أكثر المولَّين عليكم، أن يحفظوكم! بالأكثر تكاد تكون لوحدك! كلٌّ يطلب ما لنفسه! وإن كان أعمى يقود أعمى، ولو باسم الله، فالأكثر أن يسقط كِلاهما في حفرة! هذه برّيّتُكَ الدّاخليّة! ادخلْها ولا تيأس! روح الرّبّ يعزّيك! كان ربّك في البرّيّة يُجرَّب من الشّيطان، أربعين يومًا، وكان مع الوحوش، وصارت الملائكة تخدمه! ولمّا همّ أن يصعد على الصّليب كان وحيدًا! هذا نصيبك، اليوم، أن تلزم برّيّة العفّة، معتزِلاً، مهما جُرِّبتَ من إبليس! الله معينُك! لا تخف! هوذا أنت تقيم متوحِّدًا، حيث كلٌّ يصير لنفسه، أربعين يومًا، إلى أن تجتاز من مصر، عبر بحر دم روحك، إلى أرض الميعاد، إلى ملكوت ربّك! عشراؤك الوحوش في البشر، إن كنت تدري! لكنّ الملائكةَ خادموك!

     الأيّام، يا أُخَيَّ، تغيَّرت! لا نغرقنّ، بعدُ، في أطلال ماضٍ ولّى! يكفيك أن تأخذ من روح ربّك وكلمة إنجيلك وفضيلة آبائك القدّيسين وِسْعَك! أنت في زمن الشّحّ والتّصحّر الكبير! لا نعرف كيف يكون الآتي! لا تركننّ إلى وعود عرقوبيّة بعودة العصور المسيحيّة الذّهبيّة! التّاريخ لا يعود إلى الوراء! بتّ في عصر فخّاريّ ترابي! في الزّمن الفردانيّ العقلانيّ ترى الهيكليّات التّراثيّة الحيّة تتداعى، ولا يبقى سوى وجوهٍ والتماعات، هنا وثمّة! الباقي أصداء في الهواء! لا يُغْرِكَ الكلامُ المخدِّر! أيّها الرّبّ يسوع تعالَ!

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share