أين كنوزكم؟

mjoa Friday February 28, 2014 110

قال لنا بولس الرسول في رسالة اليوم: “قد تناهى الليل واقترب النهار”. ها نحن نضع أعمال الظلمة ونُقبل على النور، على هذا النور الذي سيجيئنا في الفصح المقدس. ولكن قبل ذلك سيأتينا هذا الضوء الإلهي بهذه الاجتهادات التي سنقوم بها برحمة من ربنا وفضل منه.

 لقد حدّثَنا الإنجيلي الطاهر عن صوم نقوم به من أجل الله، نقوم به في الخفاء بحيث لا نتظاهر ولا ندّعي ولكننا نعرفه رحمة من ربنا ونحن نكافح حتى تحصل لنا نعمة الرضى وحتى نتدرّب على أدب الرب ومخافته.

القضية ليسن قضية إمساك عن طعام أو شراب، وليست فقط امتناعًا عن اللحم. هذه رياضات، هذه تمارين نتمرّن بها على شيء أسمى. طبعًا لا بد لنا من أن نُخضع هذا الجسد بالصوم لكي نروّضه على ان هناك شيئًا أفضل من الجسد ولكي نجعله يتحسّس بوجود الفقراء. قام الصوم بالدرجة الأولى في أوائل المسيحية على هذه الفكرة: ان الإنسان يمسك عن طعام ليوزّع ثمنه على المساكين. كان المسيحيون يصومون كلما عرفوا ان واحدا منهم في حاجة، وكانوا يصومون متى شاؤوا حتى يوفّروا طعاما ويعطوه للفقراء. لهذا كانت الرحمة بُعدًا من أبعاد الصوم. غاية الصوم أن نتدرب به في مدرسة الرحمة.

لذا قال الرب في إنجيل اليوم: “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يُفسد السوس ويسرق السارقون” اي لا تجعلوا متّكلكم على المال ولكن اعرفوا أن هناك فقراء يحتاجون الى هذا المال وأن لهم عليه حقّا. المال الذي بين أيديكم ليس لكم نهائيا ولكنه للمحتاجين اليه. العطاء ليس اختياريا. عليكم ان تُعطوا. هذا ليس بتصدّق، هذا واجب لأن الأرض للناس كلهم وأموال الأرض للناس أجمعين.

“لا تَكنزوا لكم كنوزًا على الأرض لأنه حيث تكون كنوزكم فهناك تكون قلوبكم أيضًا”، اي إذا اعتبرتم ان المال كنزكم كانت قلوبكم مفعمة بحبه، واذا اعتبرتم ان ملكوت الله كنزكم أصبحت قلوبكم مليئة بالله. الحياة يجب ألا تكون حيرى بين الله والدنيا بحيث نرانا نبقى مترددين بين المسيح وما هو ليس بالمسيح. لذا فإننا ندخل في جهاد هذا الصوم مقرّين بأن المسيح هو كل الحياة، وبالتالي سوف ندخل في رصانة المسيح حتى نبني له كنيسة مجيدة لا تقوم بالحجر فقط ولكنها تقوم بقلوب متآلفة منسجمة.

هذا جهاد لنا يقوم به كل على قدر استطاعته وكما تسمح له عافيته، هذا في ما يختص بالطعام والشراب. ولكننا نقوم به جميعا في ما يختص بالناحية الروحية، أي اننا جميعا مدعوّون الى المحبة والى الغفران والى ان نضمّ الناس جميعا الى قلوبنا حتى يضمّنا الله الى قلبه. فإذا أحببنا الناس كنّا أحباء الله، وإن أبغضنا الناس كنا مبعدين عن الله. الكنيسة المسيحية ليس فيها سوى ان نحبّ بعضنا بعضا وان نجاهد حتى نبقى على هذه المحبة طيلة العمر.

مهما قال الناس فينا، مهما فعلوا، الناس جميعا أحباء الله وأبناء الله، ولذلك نحبّهم ونُساندهم ونصوم عن النميمة حتى يكون لنا جميعا نصيب في محبة الرب.

 

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share