بين القاتل واللصّ صُلبوا

mjoa Wednesday April 2, 2014 96

أوصى الرسول بولس أهل روميّة، عظمى مدن ذلك الزمن الغابر، أن يعكفوا على “ضيافة الغرباء”. وقصده من ذلك ضيافة الفقراء الذين يجدون أنفسهم مرميّين في شوارع مدينة تتعالى عليهم وتنبذهم بكبريائها الباردة كرخامها ومرمرها. هل هي مجرّد مصادفة أن القصور والقبور بهاؤهما واحد يكمن في الرخام؟

أنتم، السوريين اللاجئين إلى رحمة الله، قد “وقعتم بين أيدي اللصوص”. لصوص قتلة، لصوص جزارون، فررتم من قذائفهم وبراميلهم وسواطيرهم، فوقعتم بين أيدي لصوص جدد، ذئاب في ثياب حملان. فررتم ممّن استباح رقابكم ودمكم، فتلقّاكم مَن يريد المتاجرة بكم وبأجسادكم، ومَن يرغب في استباحة أعراضكم.

غير أننا، نحن الذين نخشى الله وقضاءه، ليس لنا أن “نرضي أنفسنا”، يقول بولس نفسه لأهل رومية، بل “فليرضِ كلّ واحد منّا قريبه للخير، لأجل البنيان”. لكنّ إرضاءنا لله يبقى بلا معنى وبلا جدوى إن لم نرضِ القريب، وبخاصة ذلك “الذي وقع بين أيدي اللصوص”، بل تحت وابل قاذفاتهم وصواريخهم الفتّاكة. الصلاة والصوم وكل عبادة تصبح باطلة إنْ لم يكن الإنسان هو أيضاً المكان الذي يُعبد فيه الله، ولا سيّما الإنسان الذي يلجأ إلينا.

“إن روح الله ساكن فيكم”، فأضحيتم القبلة والمحراب لكلّ سائل وجه الله. حججنا إليكم كما إلى العتبات المقدّسة، إلى قبر المسيح. صرتم أنتم الأرض المقدّسة، بعدما دنّس القتلة الأرض، أرض سوريا، التي تتوق عيوننا وأفئدتنا حتى نراها مطهّرة، بعد زوال كربها. فالله لا يسكن في الحجار، يفضّل السكن في القلوب الدافئة. “أعطني قلبك وكفى”.

كنتم الغريب، فصرتم القريب، بل الأقرب. والقرابة، هنا، في هذا المقام، ليست “قرابة اللحم والدم”. معاييرنا لتحديد مَن هو القريب ليست من هذا العالم. فالقرابة، عندنا، نحن خلاّن الناصري، صيرورة تحكمها “الرحمة”. كل نازح، أو مهجر، أو مستضعف في الأرض، إلى أي دين أو مذهب أو وطن انتمى، هو قريبي.

عندما ساعد السامريّ، المنبوذ في المجتمع اليهوديّ باعتباره نجساً لاختلاطه بالأمم ومنحرفاً عن الإيمان، الرجل الذي تركه اللصوص ما بين حيّ وميت، لم يسأل عن اسم المحتاج إليه، ولا عن دينه، ولا عن جنسيته، بل ضمّد جروحه ثمّ حمله على دابّته وذهب به إلى فندق واعتنى بأمره ودفع عنه دينارين إلى صاحب الفندق.

المواطن السوريّ الهارب من الجحيم بحثاً عن سقف آمن يؤويه مع عائلته، هو “اليوم وهنا” مَن وضعه الله في سبيلنا، نحن المؤمنين، كي يصبح قريبنا الذي سوف نُسأل عن صنيعنا معه يوم الحساب.

ما يثير الخزي والعار هو أن يستغلّ السياسيّون قضية إنسانيّة سامية، قضية اللاجئين السوريين، فيمارسون عنصريتهم وطائفيتهم البغيضة لإيجاد ذرائع تبرّر رفضهم إيواء اللاجئين ومساعدتهم. أمّا مَن يدعمون استقبال السوريّين، فهم أيضاً ينطلقون من عصبيّتهم المذهبيّة لدعم آرائهم. فيما لو كان معظم اللاجئين ينتمون إلى مذهب مغاير للمذهب السائد الآن، لربّما كنّا وجدنا الرافضين في موقع الداعمين، والداعمين في موقع الرافضين!

الطرفان يتساويان في العنصريّة والمذهبيّة والتعصّب الأعمى. متى ستصبح كرامة الإنسان هي الحافز الوحيد لأيّ سلوك ننتهجه؟

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share