شفاعة القديسين

mjoa Thursday April 3, 2014 132

في الأحد الخامس من الصوم تقيم الكنيسة تذكار القديسة مريم المصرية. كل ما نعرفه عنها تاريخيا أن السياح القادمين إلى دير سوكا في مصر في القرن السادس للميلاد كانوا يكرمون قبر امرأة قديسة تُدعى مريم عاشت في البرية حياة صلاة وتوبة. في القرن السابع كتب صفرونيوس بطريرك اورشليم “حياة القديسة مريم المصرية” وصلتنا في مخطوطة للتقليد الكنسي الشائع حول مريم. تذكر المخطوطة أن مريم اهتدت بعد سنوات قضتها في الخطيئة واعتزلت سبع وأربعين سنة في البرية في الصلاة والصوم. أرادت الكنيسة ان تقيم من مريم المصرية “نموذجا للتوبة” كما نرتل في صلاة السَحر.

في هذا الأحد الأخير من الصوم دعوة لنا إلى التوبة إذ نحن “صاعدون إلى اورشليم” في خطى السيد. ولا بد لنا ونحن ندخل في سرّ القيامة من أن نتوقف قليلا عند مثال مريم المصرية. نقول في الطروبارية التي نرتّلها للقديسة: “انك حملت الصليب فتبعت المسيح، وعملت وعلّمت أن يُتغاضى عن الجسد لأنه يزول، ويُهتمّ بأمور النفس غير المائتة…”. تطرح علينا هذه الطروبارية سؤالا طالما نردده: كيف نخاطب اولئك الذين ندعوهم قديسين في الصلاة؟

نجد بداية الجواب في الإنجيل نفسه: في رسائله المختلفة إلى الكنائس، يطلب بولس الرسول باستمرار من المؤمنين أن يصلّوا من أجله. أكّد له مفهومه لشركة الكنيسة أننا نحتاج بعضنا إلى البعض إذ اننا إخوة في عائلة الله. نقف جميعا صفًّا واحدًا أمام الآب، والأخ يساعد أخاه في جهاده. لكن يقول البعض: كيف نخاطب أخًا انتقل إلى السماء؟ سؤال اذا طرحناه بشكل آخر يعطينا جوابًا في صيغة طرحه: هل من فرق في المسيح بين الحيّ والميت؟ الإنجيل واضح تماما هنا إذ يؤكد أن السيد عندما قام من بين الأموات بثَّ قوّته في كل انسان. قوّة القيامة والحياة التي فيه دخلت في كل الذين يتناولون جسده ودمه الكريمين اي كل المؤمنين المعمّدين. ألم يقل لتلاميذه عشية الصلب: “سوف تأتي ساعة وهي الآن حاضرة حيث يسمع جميع من في القبور صوت ابن الله والذين يسمعون يحيون”؟ هذا يعني ان الموت لا يتحكم بالمؤمن ولا يطغى عليه. اي ان الذات البشرية التي اتصلت بالمسيح واستنارت بنور الرب تحيا إلى الأبد مكتنفة بهذا النور الأزلي. يؤكد الرسول بولس ذلك بقوله: “اني أشتهي ان أنطلق وأكون مع المسيح”. فحيث ان المسيح حي فالكائن عند المسيح حي ايضا به ومعه. نقول في الكنيسة ان أحباءنا يرقدون في الرب، وهذا لا يعني انهم نيام بل يعني أنهم في سلام الرب. الانسان الذي كنا نعرفه ونحبه ومات إنسان باق ويقظ في المسيح يسوع. انه في حديث مستمر مع المسيح، وبواسطة المسيح له معرفة الأشياء القائمة هنا لأن كل الأشياء كائنة في المسيح كما يؤكد لنا يوحنا في بداية إنجيله.

اذن في الكنيسة الجميع أحياء في المسيح يسوع. وكما نطلب من أصدقائنا أن يذكرونا في الصلاة، كذلك نستطيع ان نطلب ممن رقدوا بالرب إذ انهم أحياء، لا سيما اذا كانوا ممن شُهد لهم بقداسة السيرة حسب قول الرسول يعقوب ان “صلاة البارّ تقتدر كثيرا في فعلها”. هذا يعني ان الانسان الذي يتطهر ويتقدس بالتوبة، يجعله الله ذو دالّة عليه لأنه حبيب الله. هذا هو معنى شفاعة القديسين عندنا: الكنيسة بأجمعها عندما تجتمع للصلاة تطلب من فئة معيّنة من أبنائها الذين غبطتهم وأعلنت رسميا بواسطة المجامع انهم الممتازون فيها. درست حياتهم فرأت أنهم أبرار وأن صلاتهم تقتدر كثيرا في فعلها.

شفاعة القديسين لا تعني أنهم جسر بيننا وبين الرب لأن الرب يسوع قريب إلينا وأقرب إلينا من قلبنا. نحن نذهب إلى المسيح ونتحدث اليه وجها لوجه في الكنيسة. صلاتنا للقديسين لا تعني أنهم وسطاء بيننا وبين المسيح، بل تعني أنهم معنا يصلّون. تضع الكنيسة أيقوناتهم أمامنا لأن المسيح ظهر في حياتهم، والأيقونات دعوةٌ لنا لنتشبّه بهم، لنصبح نحن أيضًـا شفّافين للسيد في حياة تتقدّس بالتوبة. هكذا نعلن سرّ القيامة لمن هم حولنا إن اعترفنا ان أرضنا سماء وسماءنا أرض جديدة حيث الرب وحده هو السيد وهو القدوس الذي يستريح ويستقرّ في القديسين.

 

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share