كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر في مؤتمر “الحضارات في خدمة الإنسانية” في البحرين

mjoa Monday May 12, 2014 108

أصحاب السمو،
أيها الحضور الكريم،

يسرنا أن نكون بينكم في أرض البحرين الطيبة تلبيةً للدعوة الملكية الكريمة. نحييكم شاكرين حفاوتكم الكريمة، ونرسل عبركم سلامنا القلبي إلى الشعب البحريني الطيب.

بسلام المسيح جئناكم وبوداعة تعليمه نحييكم. نحييكم تحية المحبة والأخوة بالرب الواحد البارئ لكل نسمة والقابض على أعّنة الأوقات والأزمنة. نحييكم بالله القدير، الذي سكب في البَرِيّةِ فيض نوره وظلل كل خلائقه بفيء تعاليم الديانات والرسالات السماوية التي تجمعها كلَّها مرضاة ساكن السماء والتماس محياه القدوس في تناغٍ وسلامٍ يعكس مجده تعالى.

 

mo2tamar 7adarat fi ba7ren“الله محبة”، يقول يوحنا الإنجيلي في رسائله. وبمحبتنا بعضنا لبعض، على تنوع أدياننا، نشهد للرب الواحد، خالق الكلِّ وسيدِ المحبة. لسنا هنا لنسكب عطور الألفاظ على جسد تآخينا، مسلمين ومسيحيين وسائرَ المجتمعين، بل نحن هنا لنقول أن هذه الإنسانية بناها تلاقح الحضارات وتلاقي الأديان، وأن أُخوّةَ الأديان هي جوهر رسالتها السماوية ومبعث مرضاة سيدها.

“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، هذا ما يقوله القرآن الكريم وهذا ما يدمغه بخاتم الصدق تاريخٌ مشتركٌ عاشه المسلمون والمسيحيون خاصةً في هذه الديار. وها نحن اليوم بينكم لنقول ونشهد بأن هذا البلد الجميل الطيب الذي يستضيف في أرضه، في تآخٍ طيبٍ، كافة الأطياف هو أيقونةٌ عن ماضٍ وواقعٍ ومرتجى، عشناه ونعيشه في هذا المشرق.

وإذا ما تكلمنا عن مشرقنا العربي، فنقول: إن المسيحية السمحة والإسلام السمح هما رئتا هذا المشرق. أما قلبه، وقلب سلام هذا العالم، فهو إلفة عيش كلٍّ منهما مع الآخر. ولعل أثمن ما أعطانا الله إياه في كنيسة أنطاكية الأرثوذكسية، وهي الكنيسة الأرثوذكسية الهوية، المشرقية الهوى، الحوارية الوجود، الوطنية الانتماء إلى الديار، والعروبية الالتزام، هو أن نكون جسر تواصلٍ بين هاتين الرئتين. وإنه لمن دواعي فخرنا ومن بواعث مسؤوليتنا في آن معاً، أن نكون في مصف بطاركة أنطاكية الذين أعطاهم إخوتُهم المسلمون لقب “بطريرك العرب”، وذلك من أيام غريغوريوس الرابع في مطلع القرن العشرين والذي لم يفرّق خبزه بين مسيحي ومسلم مروراً بالياس الرابع، الذي دعا العالم والمسلمين ليناصروه في قضيته وقضيتنا، قضيةِ القدسِ في مؤتمر الدول الإسلامية في لاهور 1974 وانتهاءً، لا نهايةً، بإغناطيوس الرابع الذي كان صوتاً مدوياً وِفاقياً يوم دوت لغة العنف والدمار في لبنان. وهذا اللقب ما هو إلا دليلٌ على أن كنيستنا الأنطاكية كانت دوماً إلى جانب قضايا هذا المشرق وحصلت دوماً مجساً لهموم إنسانه وخيره واستقراره.

جئناكم، إخوتي، بهذه الروح. وكلنا رجاءٌ أن يتكلل هذا المؤتمر بالنجاح. وكلنا أيضاً صلاةٌ بأن نخرج في مؤتمراتنا من واقع التنظير، على أهميته، إلى واقع التطبيق. صلاتنا ورجاؤنا أن تجد لغة التسامح في هذه اللقاءات طريقها إلى أذهان كل الناس وأن تلجَ كل زوايا مجتمعنا العربي، الإسلامي والمسيحي. إن كنز كنوز الدنيا هو لقيا الآخر التي عشناها ونعيشها دوماً، فكيف إذا كان هذا الآخر هو من رسم له الله تعالى أن يشهد له خالقاً ورباً وسيداً بالمحبة والتسامح. نحن مدعوون يا إخوتي في هذا المؤتمر أن نشتل بذور الانفتاح والتسامح لا في قلوبنا وقلوبكم وحسب، فهي عامرةٌ بها، نحن مدعوون أن نقويَّها في كل أرجاء العالم وأن نزرعها في كل النفوس رغم وعورة بعض الأزمنة.

قد يرث كلٌّ منا من رحم أمه ديناً مختلفاً، لكن اختلاف الدين، لا يفرقنا. قد يورثنا رحمُ الأم ديناً مختلفاً، إلا أن رحم الإنسانية يُلبسنا أخوّةً ووحدة حالٍ نشهد فيها لربّ السماء ولنور سلامه.
ومن هنا أسمح لنفسي بأن أطلق ومن هذا المنبر الكريم نداءً عاجلاً إلى كل الأسرة الدولية للعمل على إحلال السلام في سوريا بعدم تأجيج روح التكفير والترهيب والتطرف، بل بالدفع نحة الحوار والحل السلمي. خلاص سوريا بلقيا الآخر. خلاصها بوحدة أراضيها وبوحدة قلوب أبنائها على خيرها.

ومن هنا أيضاً أطلق ندائي من أجل تحرير كل مخطوفٍ فيها.

أطلق ندائي، يا صاحب الجلالة، من أجل أخويكم وأخوينا المطرانين يوحنا وبولس، مطراني حلب، اللذين يصمت العالم ويتناسى بصمتٍ مطبقٍ خطفهما المدان منذ أكثر من سنة، وكأن خطفهما لا يمس بتاتاً “حقوق الإنسان”!

صلاتنا اليوم إلى الرب القدير أن يسكب سلامه على مشرقنا وعلى العالم كله، وأن يكتنفنا جميعاً برحمته.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share