في ذلك الزمان، أتى إلى مدينة أورشليم مجوس من المشرق قائلين: “أين هو المولود ملك اليهود. فإنّنا رأينا نجمه في الشرق وأتينا لنسجد له” (متى 2 :2). فاضطرب هيرودوس الملك، المعروف بالكبير، واضطربت أورشليم معه. كان الملك مريض النفس، شديد الخوف على مُلكه، حاسبًا الجميع متآمرًا عليه. فقد حسبه اليهود مغتصبًا لأنّه آدوميّ من غير جنسهم، رغم أنّ الآدوميّين كانوا قد اقتبلوا اليهوديّة عنوة كمَذهَب. ولمّا كان هيرودوس قد تزوّج عشر نساء فقد أنجَبن له ذكورًا كثُرًا. كلهّم اشتهى الخلافة حتّى بات القصر مسرحًا لعشرات المؤامرات والفتن. في هذا الجوّ الموبوء، لجأ هيرودوس إلى التصفية الجسديّة، ففَتك بأبرز أعضاء مشيَخته وبزوجته مريمني وأمّها ألكسندرا وابنَيها ووَرَثته وخيرة أصدقائه. وكان مستعدًّا للتخلّص من أيّ كان إذا ظنّ أنّه طامع بمُلكه. لهذا السبب كان لخبر المجوس عليه وقع الصاعقة، فاستدعى، للحال، رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح. قبل ذلك كان الجوّ عابقًا بالحديث عن المسيح الآتي. لا سيّما وقد ارتبطت صورة المسيح في الأذهان باسترداد المُلك المغتصب وعودة اليهود إلى الواجهة. وإذ فهِم هيرودوس أنّ بيت لحم اليهودية هي المكان، اصطنع حيلة للقضاء على الصبيّ، فاستدعى المجوس، سِرًّا، واستعلم منهم منذ كم من الوقت ظهر لهم النجم. هذا كان من المفترض أن يعطيه فكرة عن عمر الصبيّ. وإذ تظاهر بأنّه مهتمّ بالسجود لمن يرومون هم السجود له، أطلقهم إلى بيت لحم ليبحثوا عن الصبيّ، ومتى وجدوه أن يرجعوا إليه ويخبروه.
خرج المجوس إلى بيت لحم لا يلوون على شيء. فإنّ ملاك الرب هداهم، بهيئة نجم، إلى موضع الصبيّ فسجدوا وقدّموا له هدايا. وإذ همّوا بالعودة إلى بلادهم عن طريق أورشليم، أوحي إليهم في حُلم الليل فانصرفوا في طريق أخرى. أمّا الصبيّ وأمّه فأخذهما يوسف، بأمر الملاك، وانحدر بهما إلى مصر. طال انتظار هيرودوس للمجوس، وتيقّن أنّهم سخروا به وخدعوه، فاستبدّ به غضب شديد وقام فأرسل إلى بيت لحم والتخوم وقتل جميع الصبيان فيها من عمر سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققّه من المجوس. هؤلاء هم الشهداء الأوائل الذين سقطوا باسم يسوع بعد ولادته بالجسد. قيل أنّ عددهم أربعة عشر ألفًا وقيل مائة وأربعًا وأربعين ألفًا (الأقباط) وهذا عدد رمزيّ، إشارة إلى المائة والأربع والأربعين ألفًا الواردة في سفر الرؤيا.
نصوصنا الليتورجيّة تقول عنهم أنّهم مقدّمة للحمل الجديد الذي سيتألّم ويُذبح لأجل خلاصنا. وقد حصلوا ذبيحة أولى لميلاد المسيح الإله الطاهر وقُدمّوا له كعناقيد، وصار لهم أن يتهلّلوا لأنّهم ذُبحوا من أجل المسيح. يبدو مقتل أطفال بيت لحم رسمًا لمعاناة اسرائيل في كلّ تاريخها وإيذانًا بتمام وعود الله بأنبيائه في شخص الصبيّ يسوع. يُذكر أنّ الإخوة الموارنة يحتفلون بذكرى أطفال بيت لحم مثلنا اليوم، فيما يعيّد لهم اللّاتين يوم الثامن والعشرين من كانون الأوّل ويسموّنهم “القدّيسون الأبرياء” والأقباط في الثالث من شهر طوبة (حوالي 10 كانون الثاني ).
طروبارية عيد الميلاد
ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم لأنّ الساجدين للكواكب به تعلّموا من الكوكب السجود لك يا شمس العدل وأنّ يعرفوا أنّك من مشارق العلو أتيت يا ربّ المجد لك
طروبارية القدّيسين الشهداء الأطفال
يا رب بأوجاع القديسين التي تكبَّدوها من أجلك، تعطَّف واشفِ أوجاعنا كلَّها، نحن المتضرِّعين إليك يا محبَّ البشر.