صليبيّات
1- على الرغم من كون الإسلام ينفي حادثة صلب الربّ يسوع وقيامته من بين الأموات، ثمّة أحاديث واردة في التراث الإسلاميّ تمتدح التلاميذ الاثني عشر لقبولهم الاستشهاد في سبيل إيمانهم وتبشيرهم بالإله الواحد. فرسول المسلمين يأمر أصحابه بأن يكونوا كتلاميذ المسيح: “كونوا كحواريّ (كتلاميذ) عيسى ابن مريم، رُفعوا على الخشب وسُمّروا بالمسامير، وطُبخوا في القدور، وقُطّعت ايديهم وأرجلهم، وسُمّرت أعينهم. فكان ذلك البلاء والمقتل في طاعة الله أحبّ إليهم من الحياة في معصية الله”. اللافت أنّ هذا الحديث يرد في قصّة رواها ابن عبّاس أحد صحابة محمّد. ومفاد القصّة أنّ أحد الملوك، “وكان جبّارًا وطاغيًا”، أمر أحد التلاميذ بعد القبض عليه قائلاً: “تبرّأ، ويلك، من عيسى”، فأجابه: “لا أفعل”، فقال الملك: “إنْ لم تفعل قطعتُ يديك ورجليك وسمّرتُ عينيك”، فقال: “افعلْ ما أنت فاعل”. فقطع يديه ورجليه وسمّر عينيه، ثمّ ألقاه على مزبلة في وسط المدينة.
2- يحضّ رسول المسلمين أتباعه، حين يتعرّضون للاضطهاد بسبب إيمانهم، على الاقتداء بتلاميذ المسيح. فجوابًا على سؤالهم إيّاه: “كيف نصنع؟”، يقول محمّد: “كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم، نُشروا بالمناشير، وحُملوا على الخشب. موتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية الله”. وفي حديث منسوب إلى أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب الحزين على ما وصل إليه الزمان من ابتعاد الناس عن تعاليم الله، يجيب على سائليه السؤال عينه قائلاً: “كونوا كأصحاب عيسى، نُشروا بالمناشير، وصُلبوا على الخشب. موتٌ في طاعة الله، عزّ وجلّ، خيرٌ من حياة في معصية الله”. أمّا ابرز الصفات التي كان محمّد يمتدحها لدى تلاميذ المسيح فهي: “كانوا لا زهو فيهم ولا ضعف ولا شكّ. كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاذ وجدّ وعناء”.
3- يقول المتصوّف الشهير الحسين ابن منصور الحلاّج (ت 922) الذي دفعه حبّه العظيم للمسيح إلى طلب الاستشهاد على الصليب اقتداءً به، وقد تمّ له ذلك: “ألا أبلغْ أحبّائي بأنّي / ركبتُ البحر وانكسر السفينة / على دين الصليب يكون موتي / ولا البطحا أريد ولا المدينة” (البطحا هي مكّة، والمدينة هي المدينة المنوّرة).
4- يردّ طيموثاوس الجاثليق (+823)، بطريرك بغداد للنساطرة، على سؤال الخليفة العبّاسيّ المهدي عن سبب سجود المسيحيّين للصليب قائلاً: “إنّنا نسجد للصليب لأنّه علّة الحياة”. فيتابع الخليفة التساؤل: “إنّ الصليب ليس علّة الحياة بل علّة الموت”. فيجيب الجاثليق: “إنّ الصليب هو علّة الموت، كما قلتَ. ولكنّ الموت هو علّة القيامة، وهي علّة الحياة وعدم الموت. فإذًا، الصليب هو علّة الحياة وعدم الموت. فلذلك نقدّم بواسطته السجدة لله تعالى، الذي فتح لنا به ينبوع الحياة وعدم الموت”. وردًّا على الاعتقاد الإسلاميّ بعدم جواز إهانة “الأنبياء” عبر قتلهم بصورة شنيعة، يجيب طيموثاوس قائلاً: “إنّ الأنبياء الذين احتملوا القتل من اليهود، لم يصيروا بذلك مرذولين لدى الله ومحقورين. فإذًا، ليس كلّ مقتول من اليهود مرذولاً ومحقورًا”. امّا عن دور اليهود في الصلب ومحاولة تبرئتهم لأنّهم بصلبهم المسيح قد أتمّوا مشيئة الله، ولولاهم لما كان لهذه المشيئة أن تتمّ، وتاليًا لا ذنب عليهم، فيقول طيموثاوس: “إنّ اليهود لم يصلبوا عيسى تبعًا لإرادته، بل لأجل البغضة والحقد نحوه ونحو الذي أرسله. فلهذا السبب صلبوه، أي لكي يموت ويهلك في الأرض. وأمّا المسيح فأراد أن يُصلب، حتّى بموته يحيي الجميع (…) إنّ اليهود قد صلبوه حقيقةً، لا من حيث كان ضعيفًا ولم يقدر عليهم، بل من حيث احتمل ذلك بإرادته”. ويؤكّد طيموثاوس أمام الخليفة أهمّيّة إكرام الصليب، كونه حمل لنا ثمر الحياة، فيقول: “هو أخرج لنا من خشبة الصليب ثمار الحياة، وهو أيضًا أشرق لنا بين أغصان الصليب أشعّة الحياة وعدم الموت. نحن نكرّم الصليب ونوقّره، إجلالاً لثمرة الحياة التي خرجت منه (…) فبالصواب يُفترض على الكلّ أن يُظهروا محبّتهم لله بواسطة الصليب الذي أظهر به تعالى محبّته نحو الجميع”.
5- يردّ عمار البصريّ (كاتب عربيّ مسيحيّ من القرن التاسع) على إنكار المسلمين للصلب، لاعتبارهم أنّ الله لا يرضى بأن يهان الأنبياء بالقتل تشنيعًا، فيتساءل: “كيف يتّهمون، والمسيح عندهم نبيّ، أنّا قصّرنا في ذكرنا أنّه صُلب ويقولون إنّه كان أكرم على الله من أن يدعه يُصلب؟ فليت شعري ما يقولون في يحيى ابن زكريا (يوحنّا المعمدان) وهم مقرّون أنّه ضُرب عنقه ووُهب رأسه لجارية رقّاصة سألت أن يوهَب لها؟ (…) فهذه أيّها الإنسان نعمة الله ومنّته عليك بصلب المسيح الذي استشنعت وقلبت ما يجب عليك من شكرها إلى الكفر بها والطعن فيها”. أمّا عن اليهود، فيقول عمّار: “فاليهود لم يكن اعتقاد نيّاتهم في قتل المسيح تعمّدًا لصلاح الناس، بل حملهم على ذلك طغيانهم القديم وحسدهم العائليّ وعاداتهم الخبيثة لقتل أنبياء الله وأوليائه ورسله”.
6- يعتبر المطران جورج (خضر)، راعي الأبرشيّة، أنّ إنكار المسلمين لصلب المسيح إنّما هو إنكار لأسمى ما قام به المسيح، أي “إسلام” المسيح على الصليب، حيث بلغ تنازل المسيح ذروته، وكل ذلك في سبيل خلاصنا.
نشرة رعيتي
14 أيلول 2014