إطلاق العِيَارَات والألعاب النَّارية:قراءة مُقْتَضَبَة وتعليق
نَشْهَدُ، ومنذ عقود، ظاهِرَة إطلاق العيارات والألعاب النَّارِيَّة في الأفراح والأتراح. ما معنى هذه المُمَارَسَات؟.
يَنُمُّ اعتمادُ العيارات والألعاب النَّاريَّة، عن عشق شديد للعنف والضّجيج، عن إدّعاء بامتلاك القوّة المُخَلِّصَة، والتَّباهي بها سواء في زواجٍ أو جنازة، فضلًا عن إحساسٍ غير منطقيّ بالعَظَمَة والسِّيَادَة.
نحن، في العالم الثَّالِث، نحبّ العنف، فهو يترجِم مقهوريَّتَنا وإحساسَنا بالدُّونِيَّة. إعتماد العنف، بكلّ اشكاله، هو لغة الضّعيف والمَقْهُور بآن. الّذين يحتَكِمُون إلى العنف بكلّ أشكاله، يَرَوْنَ فيه علامة قوّة، أمَّا المُعَنَّفُون، أو الَّذين ينزل بهم العنف، فيئنُّون ويتألَّمون. إلَّا أنَّ الكبير ليس هو من يعنّف، بل من يعتمد الوداعة والتّواضع. إيليَّا النّبيّ عندما عاين الله، لم يُدْرِكْهُ في العاصفة، بل في النَّسيم. جميع القدّيسين أَبَوْا إعتمادَ العنف، أُسْوَةً بالسَّيِّد الّذي فتيلًا مُدَخِّنًا لم يُطْفِىء. هكذا، التَّعالي فوق العنف، وعدم إعتماده أسلوبًا للتّعبير، أو أداة لنيل الحقّ، هي شأن الرُّوحيّين الّذين وُلِدُوا لله من فوق لا من روح هذا العالم.
يَنْطَوِي إطلاق الأَعْيِرَة والألعاب النَّاريَّة على عنفٍ كثيرٍ وضجيجٍ كثير. فالعيارات النَّاريَّة رمز القوّة والقتل، أمّا الألعاب النَّاريَّة فهي تحتكم إلى العنف، رغم إعتمادها الألوان الزَّاهِيَة والأشكالَ الحلوة تُطْلِقُهَا في السّماء. وهذه الممارسات نراها يومًا بعد يوم شديدة الالتصاق بالشّعائر الدّينيّة، وتَلِي الصّلوات والأسرار. تُطْلَقُ هذه الأَعْيِرَة في الجنازة على شابٍّ رَحَلَ في عمر الزّهور. لا بل إنَّ كلّ هذه الممارَسَات المُدَهْرَنَة، نجدها تخنق الحياة الكنسيّة، كما يلتفّ الثّعبان على طريدته.
في حفل الزِّفَاف، تحديدًا، يأتي تزيين الكنيسة ليقول أنَّ الأزهار الذابِلَة أكثر بهاءً من حُسْنِ الكنيسة وبهائها. كذلك، فإنَّ روحًا مُدَهْرَنَة تَلُفُّ خدمة الزّواج كلّها، ليبقى كلّ شيء، ما عدا خدمة السِّرّ. لا يبقى في الأذهان إلّا الصّور والهيئات.
باختصار، كلّ شيء في هذه المُمَارَسَات المُدَهْرَنَة غير مقبول في الكنيسة، ومع ذلك يبقى كلّ شيء في دائرة الحَدَث، أمّا الكنيسة فتقيم على الهامش. أليس من الأَجْدَى أن تكونَ خدمة الزّواج بدون ضجيج، كي يُتَاحَ للزوجَيْن الجديدَيْن فرصة التَّأمُّل في الصِّعاب الآتِيَة؟!. أليس لائقًا، والنّاس يحيون في تشنّج كبير، أن يُقْلِعُوا عن الألعاب النّاريّة، سِيَّمّا الّتي تُحْدِثُ دَوِيًّا هائِلًا يَصُمُّ الآذان، وكلفته عالية؟!. هل تُسْدِي هذه المُمَارَسَات أيّة خدمة للمتزِّوجين؟!. وهل ينفع إطلاق الرّصاص في الجنازة على شابّ رحل؟!. إنَّ محبّة العنف بكلّ اشكاله ليست لغة لائِقَة، بل ينبغي الإقلاع عنها طمعًا، على الأقلّ، في أن يكون ما لله لله.
والسّلام.
نشرة الكرمة
21 أيلول 2014