علاج الاكتئاب بحسب القديس سلوان الآثوسي

mjoa Wednesday September 24, 2014 130

إن أعظم وباء في القرن الحادي والعشرين ليس هو الإيدز، ولا السرطان، ولا إنفلونزا ، إنما هو مرض يؤثر على عدد كبير من الناس بطرق بالكاد يمكن أن نفهمها: إنه الاكتئاب. تشير التقارير إلى أن واحداً بين كل عشرة أشخاص أميركيين يعاني من أحد أشكال هذا الداء، كما أنّ معدلات استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب في الولايات المتحدة مقلقة إذ كشف استطلاع حديث للرأي أن واحداً بين كل ثمانية أمريكيين يستخدمها. بروزاك، زيبركسا، كيمبالتا ليست أسماءً غريبة بعد الآن، وإنما مألوفة في كل بيت أميركي تقريباً. حتى أن معدلات استخدام الأطفال لهذه الأدوية تقترب من معدلات استخدام البالغين.هذه النسب العالية جداً تبدو أمراً غريباً ومتناقضاً في بلدٍ الكلُّ فيه أحرار في التمتع بــ “الحياة، الحرية والسعي لتحقيق السعادة”.

حتى في أوقات الأزمات،الأميركيون والمجتمع الغربي عموماً لديهم حياة أفضل من معظم البلدان في العالم، من جميع النواحي. إذا ألقيت نظرة خاطفة على حياة المسيحيين في الشرق الأوسط، ستدرك النعم التي يتمتعون بها كل ikti2abيوم في أميركا. معظمهم يملك وظيفة، منزل، سيارة أو اثنتين، ما يكفي من الغذاء، التعليم، تكافؤ الفرص، والحرية الدينية على سبيل المثال لا الحصر.عملياً ينبغي ألا يكونوا بحاجة لأي شيء، ولكن على الرغم من ذلك، شخص من أصل عشرة يشتاق لشيء، يفتقد شيئاً إما سيئاً للغاية أو مهماً جداً، بحيث لا يمكنه مواجهة هذه الحاجة وحده. هذا ما يفسر استخدام المخدرات، التي بواسطتها تتم مواجهة الجوانب السلبية للحياة بسهولة أكبر، إذ تصير كالعكاز الذي يساعد الناس أن يمضوا قُدماً بحياتهم ولو لفترة قصيرة.
لكن العكاز يبقى عكازاً، إذ يمكن أن يمضي بالإنسان إلى حدٍّ معين.الإنسان الذي يعاني من الاكتئاب يحتاج علاجاً مختلفاً، علاجاً يهتم بجذور المشاكل، يمحو اليأس ويقدّم له فرصة جديدة للحياة. لكن العلاج لا يمكن أن يأتي من دون فهم المرض الكامن. وهذا يطرح سؤالاً: لماذا نعاني من الاكتئاب؟ ما الذي ما نزال نفتقده رغم تلك الوفرة المحيطة بنا؟
الجواب مختصر:نفتقد الله. قد نعتقد أننا نفتقد شيئاً آخر، ويمكن أن نبرر اكتئابنا من خلال خلق بعض الاحتياجات الوهمية، ولكن في نهاية الأمر، نحن نفتقد الله. لقد خلقنا الله لهدفٍ محدد:الاتحاد معه في الأبدية. غفلتنا عن هذا الهدف، تُفقدنا كل شيء، وبسبب قصر بصيرتنا، نبقى مشتاقين لشيء لا نعرف أننا فقدناه. كل ذلك يعود إلى من نكون، ماذا نفعل هنا وإلى أين نحن ذاهبون، كله يعود إلى الأساس.
في خضم ثورة المعلومات وشبكة الإنترنت وازدهار التكنولوجيا، لا يزال المرء يتوق للأشياء الأساسية نفسها: الهدف والاتجاه. المجتمع العلماني لا يمكن أن يعطيه إياها أيضاً. الهدف مؤقت، يتوقف عن الوجود عندما تنتهي الحياة، والاتجاهات التي يأخذها المرء قد تكون متناقضة بحيث أنه في نهاية المطاف يلغي أحدها الآخر. هكذا يتشوش الإنسان، يضيع ويغدو على حافة اليأس. هو عطشان، ولكن ما من أمرٍ حسن في الحياة، جائع ولكن ما من طعام لروحه الأبدية، وحيد وليس لديه أي إنسان.
ماذا يمكن أن يفعل؟ يجيب الأرشمندريت صفرونيوس سخاروف المبارَك الذكر، وقد كان وقتها راهباً أصغر، على سؤال كاهنٍ زائر: “أيها الأب صفرونيوس، كيف يمكننا أن نخلص؟”. قام الأب صفرونيوس بإعداد فنجان من الشاي للضيف، أعطاه له، وقال: “قِف على حافة هاوية اليأس وعندما تشعر أن ذلك أكبر من قوتك، استرح وتناول فنجاناً من الشاي”. من الواضح أن هذا كان جواباً غريباً للغاية، ولا بد أن ذلك الكاهن الشاب قد اختلطت عليه الأمور، فما كان منه إلا أن ذهب إلى القديس سلوان الآثوسي والذي عاش قريباً من هناك، وقال له كل شيء طالباً مشورته. اختصاراً للقصة الطويلة، في اليوم التالي، جاء القديس سلوان إلى قلاية الأب صفرونيوس وبدأ الاثنان حديثاً عن الخلاص. كانت الثمرة جميلة لحديثهما عبارة لا تُنسى، أود أن أقدّمها أيضاً كإجابة لحديثنا اليوم عن الاكتئاب “احفظ ذهنك في الجحيم ولا تيأس”.
للوهلة الأولى، موقف القديس سلوان من الخلاص ليس بأقل غرابة من جواب الأب صفرونيوس، ولكنه في الواقع ذو معنى كبير. في التقليد المسيحي، تعتبر صعوبات الحياة كجزء من وجودنا الساقط. تعاني أجسامنا وعقولنا العذاب، ولكن ذلك ليس سوى مرحلة مؤقتة. ينظر الآباء النساك إلى تلك الصعوبات كاختبارات مساوية للجهادات النسكية، مفيدة جداً في تطبيق وتحسين قوى الروح مثل الصبر، اللطف، الرجاء والإيمان وإلى ما هنالك. نبقي أذهاننا في الجحيم عندما نحتمل بوعي ألم العيش في عالم ساقط، عندما نتعلم من هذا العذاب العابر تجنب العذاب الأكبر ألا وهو حياة أبدية دون المسيح. لكن هناك رجاء في هذه المعاناة لأن المسيح نفسه قد مرّ بها أولاً وقد فتح لنا طريقاً للخروج من اليأس، للخروج من الألم، للخروج من الموت. المسيح هو جمال الحياة، خبز الخلود، والشخص الوحيد الذي نحتاجه.
هكذا كمسيحيين نحفظ أذهاننا في الجحيم ولا نيأس، إنما بشجاعة نمجّد الله في كل شيء، حتى في الألم، واضعين رجاءنا دوماً في مخلصنا، الذي هو وحده قادر أن يخرجنا من حافة اليأس وأن يطلقنا لحياة جديدة فيه. عليه نضع رجاءنا وفيه نجد هدفنا.
فبشفاعة أبينا القديس سلوان الآثوسي، وبصلوات الأب صفرونيوس وجميع الآباء النسّاك وجميع القديسين، يا إله الرحمة والرجاء، ارحمنا وخلصنا
 آمين

نشرة البشارة – نشرة رعائية أسبوعية تصدرها أبرشية عكـّــار الأرثوذكسية

14 أيلول 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share