مداخلة أمل ديبو في المؤتمرالدوليّ المسكونيّ للروحانية الأرثوذكسية

mjoa Tuesday September 30, 2014 66

في المؤتمرالدوليّ المسكونيّ للروحانية الأرثوذكسية
“طوبى لصانعي السلام”،
  بوزة المؤتمر الثاني والعشرين2014    
مداخلة أمل ديبو

لقد تسنى لي أن أحضر مؤتمرات “بوزة” منذ سنة  2007 وقد كتبت في وصف هذا الدير الإيطالي الحائز على ثقة السدّة البابوية بمنحها إياه صلة مباشرة معها والذي يواصل علاقات مودّة واعتراف باللأرثوذكس كونهم يحملون لاهوتًا عميقًا وروحانية عالية ولوناؤا تحت هذا الحمل وتباعدت كنائسهم المستقلة عن بعضها البعض ، إلا أنهم يتوافدون من كل الكنائس الأرثوذكسية ويلاقون ترحيبًا من أهل هذا الدير مهما تباعدت مواقفهم. ولعل هذا المكان هوالمكان الوحيد الذي يلتقي فيه أفراد من الكنائس الأرثوذكسية المتعددة، بمباركة رؤساء كنائسهم.  
في الأعوام التي خلت كانت محاضرات المتروبوليت جورج(خضر) تتصدّرالمحاضرات وكان حضوره يضفي على المؤتمر رونقًا خاصًا أولاً بصفته الشخصية وما يتميّز به من انفتاح وثقافة واسعة ومعاصرة ومعرفةعميقة ومتينة في اللاهوت الأرثوذكسيّ  وما له من أصدقاء بين الكنائس، وثانيًا لتمثيله كنيسة أنطاكية التي ما كان لديها خصومات مع أي كنيسة أرثوذكسية شقيقة ولا هي كنيسة عرقيّة وطنية. وكان الوفد الأنطاكي بكل عناصره مطارنة ، كهنة، رجالاً ونساءً يشعر بالترحاب وبالتقدير من كل الكنائس الكاثوليكية والبرروتستانتية والمجتمعين كافة. للإطلاع على المشتركين ومساهماتهم بالمؤتمرات السابقة بإمكانكم العودة الى موقع المؤتمر .
Convegni@monasterodibose

هذا العام كان الموضوع الذي اجتمعنا حوله “طوبى لصانعي السلام” .وقد دعيتُ لأشترك بطاولة مستديرة مع پنتاليس كلاتزيديس ( ڤولوس) وألكسندر أوغورودنيكوف ( موسكو) و قسطنطين سيغوف ( كييف).اقترحت صلاة من أجل المطرانين المخطوفين بولس يازجي  ويوحنا ابراهيم، ورحّب مدير الحوار وأعضاء الطاولة ،وكلّفوني بالمهمة  فتلوتت سبع طلبات من أجلهم وأجل المخطوفين والأسرى والسلام وردّ الحضور بعبارة يا رب ارحم .
ودار نقاش حول فصل العرق عن الدين، والإيمان عن التدخل بالهوية الوطنية، وعما إذا كانت الكنيسة يمكنها أن تبارك الأسلحة، وموقف الكنيسة من المقاتلين….
 كنت قد جهّزت ورقة تشير الى صانعي السلام في منطقة الشرق الأوسط ولبنان بالتحديد. ولكن في الاجتماع التحضيري للطاولة المستديرة توافقنا على أن تُطرح بعض المسائل الملحّة والتي تعثّر مسيرة السلام ويدلي كلّ منا بخبرات كنيسته التي تسهّل مسيرة السلام أو تعيقها. وكان أن سبقت هذه الطاولة المستديرة ورقة، قدّمها المتروبوليت أثيناغوراس(بلجيكا) عن مساهمة المثلث الرحمات  البطريرك المسكوني أثيناغوراس في تقدّم مصالحة الكنائس الشرقية مع روما ورفع الحرم الذي بينهما. وأوعز اليّ  من قبل المشتركين  في الطاولة المستديرة بإن أشير الى مساهمة المتروبوليت جورج (خضر) بصناعة السلام في وحدة الكنائس وبالعلاقة مع المسلمين في المنطقة.
جاءت مداخلتي بموقفين لسيادة المتروبوليت جورج، الأول في ما يتعلّق بوحدة الكنائس والسلام فيما بينها، وكان هذا تعليقًا على الآية الإنجيلية “من ضربك على خدّك الأيمن، در له الأيسر”، قلت:
سمعت من المطران جورج إنه لما كان تلميذًا في مدرسة الفرير (الإخوةالمسيحيين) في طرابلس ، ناداه أحد الأخوة المرسلين وسأله بالفرنسية: قف أمامي وقل لي ياجورج خضر ،لماذا الكنيسة الأرثوذكسية ليست واحدة ،ولا مقدسة، ولاجامعة، ولا رسولية؟ وكان صمت هذا الشاب المهذًب بمثابة إدارته خدّه الأيسر. وبدل أن يدير نظره بالغضب الى الذي صفعه بسؤاله هذا ،  نظر الى داخل أوضاع كنيسته آنذاك فهاله ما رأى من بون شاسع بين معرفة أئمة القمم الروحية في الكنيسة وجهل الشعب والشباب المؤمن. وبتواضع وحماس انتفض هذا الشاب لا على من سأله ذاك السؤال الصفعة، بل على جهل الشعب واعترف بأن الكنيسة الأرثوذكسية في الشرق العربي منغلقة على ذاتها وأن المعرفة الحقّة هي ملك الإكليروس. وكان منه ومن بعض أترابه الذين شاركوه وجعه أن تحرّكوا بالروح وأسّسوا حركة الشبيبة الأرثوذكسية ،حركة استنارة ومعرفة وانفتاح، عمّت الكرسيّ الأنطاكي بمباركة المجمع المقدّس وأضاء وجه المسيح من تراث انطاكية ونهضتها الى كل العالم. وارتقى هذا المؤمن اللاهوتي الى مقام المحاور في وحدة الكنائس الى أن جاء يوم استقبله فيه الحبر الروماني يوحنا بولس الثاني الذي بادره بالقول : ما هي آخر عقبة بيننا ، فردّ عليه المتروبوليت جورج : أنتم أيها الحبر الجليل، وكانت مصافحة الإخوة.
 أما مداخلتي الثانية فجاءت عقب سؤال طرحه أحد المؤتمرين:إذا كان صانعي السلام لا يعتبرون أن لهم أعداء، كيف نواجه المسلمين ؟ وهل هم أعداؤنا؟
ومما قرأت وتعلّمت من المتروبوليت جورج أنه في الوطن العربي الواحد، المسيحيون هم أسبق من المسلمين بستمائة سنة على الأقل، والأرض لنا ولهم، ولهم فيها مختلف الأخلاق والتصرفات السياسية. ونحن لا نعتبر وجودنا ردّة فعل على وجودهم .نحن في الأرض، يقول المطران جورج دعاة للمسيح. كنا نتكلم السريانية وتعرّب لساننا لنحمل الإنجيل الى من يحاورنا منهم. وأكبّ المطران خضر بما أعطاه الله من مواهب الكلمة ،على اللغة العربية التي هي لغة الله في كتابه المنزل للمسلمين. سبر أغواره وقرأه لهم وأضاء على جوانب منه قرّبت المسلمين من رسالة الإنجيل، فنشر عبارات المحبة  والحرية الدينية والعشق الإلهي ،التي راحت تتغلل في أحاديث الفقهاء المتنورين من المسلمين. أبدع المطران جورج بلغة القرآن روحًا مسيحانية خالقًا بذالك مساحة مشتركة في احترام  الآخر وملاقاته والعيش السلميّ والانفتاح وخدمة الآخر المختلف بالمعتقد الديني . وعمّت هذه اللغة منتصف القرن الماضي كل المساحات الفكرية والنوادي الثقافية والجامعات وكليات اللاهوت عند الطوائف اللبنانية كلها، وكأسقف العربية اكتفى المطران جورج بأن يذكر بالمبادىء الأرثوذكسية الروحانية ولا يقحمها في السياسة واذا قال قولَا سياسيًا أنصف ونادى بالمواطنية المسؤولة لكل الإخوة في الوطن الواحد على مختلف انتماآتهم الدينية. الى أمس القريب حيث علت أصوات التعصّب الطائفي على صوت الاعتدال واحترام الآخر بفعل المصالح الدنيوية والاقتصادية وانتهاك حقوق الإنسان. وهو ما زال على إصراره على لغة المحبة ينشرها منذ خمسة وسبعين سنة في محاضرات ومقالات وعظات تزداد توهّجًا بوجه الهمجية التي باسم الدين تصنع عنفًا وتعيث بالأرض دمارًا  وما تماسك لبنان اليوم الآَ وحدة أهل هذه اللغة التي شاعت على لسان الأئمة المسلمين قبل المسيحيين على الرجاء بأن الحق لا بد من أن يُطلع فجرًا جديدًا تصنعه الكلمة المشتركة لا سلاح المنتصر.
هذا بعض مما جاء على لساني بشهادتي في أحد صنّاع السلام في بلاد يقتل مسيحيّوها وهم ضحايا ولعلهم قديسون، بعضهم يشهدون وبعضهم يستشهدون.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share