عظة الأرشمندريت يوحنا التلي في العيد الثاني للقديس جاورجيوس 3/11/2014
باسم الآب والابن والروح القدس. الإله الواحد. آمين.
إذ نحتفلُ اليومَ بتذكارِ نقلِ رفات القديسِ جاورجيوس، يطيبُ لنا أن نكونَ مُقدمين قلوبنا إلى الله مع هذه الذبيحةِ التي أقمناها لنتناولَ منها الجسد والدم الإلهيين.
الإنسانُ قيمته كمسيحيٍّ أن يكون مثل المسيح، أن يُقلده، أن يتبارك منه، أن يُطيعه، أن يحيا بنعمته. وأمورٌ أخرى قدّمها لنا السيّد المسيح بالإنجيل الشريف. جاورجيوس آمن بيسوع المسيح واستطاع أن يكتسبَ كلّ الرضا الذي أراده يسوع منه أن يكون عليه. فكانت النتيجةُ أنّه نال الشهادة ليموت كمثل معلّمه. وبعد موته في زمن الاضطهاد والمسيحية لم تعمّ البلاد بعد دُفن. إلاّ أن دفنه كان في موضعٍ معروفٍ ومباركٍ.
وبعد 40 عاماً تحولت الإمبراطورية إلى مسيحية. فأراد الإمبراطور أن يبني له في بلدته اللد في فلسطين كنيسةً تليقُ بشهادة عظيمٍ وهو جاورجيوس ونُقل الجسمان، نُقل الرفاتُ إلى هذا المكان المقدس الذي هو الكنيسة.
ونحن اليومَ نتذكر هذه الذكرى ولكن نتذكر معها بأن يسوع قال لنا: “بأن أجسادكم هياكل لله”. لا نستخف أيها الأحباء بأجسادنا فهي عطيةٌ إلهيةٌ يكتسبها المرء بإيمانه من أجل أن يحيا من خلال هذا الإيمان إنساناً متقدساً بعطية الله. جاورجيوس بإيمانه الكبير اكتسب قداسة جسده. ونحن بإيماننا اليوم حيث نتذكر هذه الذكرى، نتطلع إلى جاورجيوس الذي احتوى بداخله الروح القدس ويسوع المسيح فنال الشكل الإلهي. نتطلع إليه ونحن متأكدون أنه حاضرٌ معنا من خلال تلك القداسة. نتطلع إليه لكي نعطيه وعداً بأننا نحتفل بذكراك أي أننا نحتفل بتغير حياتنا لتصبح مثلك يا جاورجيوس أنت الذي أصبحت مثل المسيح بالنعمة.
هذا الكلام بمثابة قسمٍ دون قَسَمٍ. هذا الكلام يعني أننا نعطي نذراً نقدمه لله بحضور هذا الشفيع جاورجيوس لكي في كلِّ خطوةٍ نخطوها نتذكر أن إنساناً مثلنا عاش في أسرةٍ كما كل واحدٍ منّا ينتمي إلى أسرة، ولكنه استطاع أن يتفوق على كثيرين بقداسةٍ هي شيءٌ يختلف عن حياة الإنسان العادي ونحن لا نريد أن نكون عاديين نريد أن نكون متقدسين بقداسة الذي قدّس جاورجيوس.
من هذا القبيل نرى حضوراً للرفات، نرى حضوراً لهذا الجسد، نتقدس به من خلال أيقونته. الأيقونات هي نقلٌ للجسد بالصور التي تضع صاحب هذا الجسد المقدس أمامنا لكي نتطلع إليها لكي نطلب الشفاعة منها لنصل إلى يسوع كما وصل صاحبها. من دون يسوع لا يوجد قداسة ولا أهمية للقديس جاورجيوس دون يسوع. من خلال يسوع اكتسب كل هذا ونحن بيسوع نصل إلى كل هذا. علينا أن نفي نذورنا علينا أن نلبي بحياتنا تلك التطلعات التي نتطلع عليها نحو العلي لنرى من خلالها إلهنا الذي يباركنا، نحن بحاجة إلى بركته، تلك البركة التي تعطينا نعمة. هذه النعمة التي من خلالها نتخاطب مع بعضنا ننظر إلى بعضنا، نتكلم مع بعضنا، نفكر بكل أفكارنا. بهذه الصورة ينتقل الإنسان من إنسانٍ دنيوي يتحدث في أمورٍ تافهة إلى إنسانٍ سماوي يتحدث في أمورٍ إلهيّةٍ.
أختم قولي بما أعطانا إياها القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله: “إن تكريمنا للشهيد هو أن نتمثل به”.
ونعمة الله فلتكن معكم الآن ودائماً. آمين.