كونوا بلا همّ مقاربة إيمانيّة للقلق

mjoa Monday February 16, 2015 82

كونوا بلا همّ مقاربة إيمانيّة للقلق
 
القلق مَرضُ العصرِ بامتياز، حتّى إنّه طالَ نفوسَ المؤمنين. إنّهُ شعورٌ داخليٌّ بالخوف وعدم الراحة، والهمّ والتوتّر. وقد يزيدُ أو ينقصُ بازديادِ الخطرِ ونقصانِه، إلّا أنّه، في كُلِّ الأحوال، مؤَسَّسٌ على الوهمِ والمبالغة.
 
والقلقُ، غالبًا، مشكلةً نفسيّةً وروحيّةً في آن، لذا من المهمّ استشارة أبٍ روحيّ متمرّس لتمييّز الأمراض النفسيّة من الأهواء الروحيّة. فالأُولى تستدعي تدخّلاً طبّيّاً، فيما تحتاجُ الثانيةُ إلى إشرافِ أبٍ رُوحيّ.
 
قد يُسبِّبُ القلق آثارًا إيجابيّةً عند البعض، إذا تحرّكَت قلُوبُهم إلى طَلَبِ المعونة من الله في عمق ظلمة اليأس؛ ولكنّه عند البعضِ الآخَر، قد يُسَبِّبُ البُعدَ عن الله، بسبب تفاقُمِ اليأس، فيؤدّي إلى إهمال الصلاة والتمرُّدِ على الله، بحجّةِ أنّه لا يَحُلُّ المشاكل. وهذا البعد يلقي بالانسان في هُوّةِ القلق المتصاعد مِن سيِّئٍ الى أسوأ.

القلقإنّك تَخلُصُ من القلق فقط إنْ أرَدْتَ، فهل تريد ان تتغلّب على القلق؟ وكيف؟

– إقبل نفسك كما يَقبلُكَ الله. إقبلها بما فيها من مشاكل وكن شاكراً. تذكَّرْ أنّ الله يحبّك كما أنت، وقبوله لك هو المحرّك الأساسيّ لتغييرك، أنتَ عزيزٌ في عينيه! فلا تحتقرْ نفسَكَ ولا تَرْثِ لَها ولا تتبرّم متذمِّراً من ظروفك، واعلَمْ أنّ ضعفك لا يعوّق الله عن استخدام المواهب التي خصّك بها. إنْ أنتَ أردْتَ، يُصلِحْكَ الله رغمَ محدوديّاتِك ” قوّتي في الضعف تُكمَل”. ارفُضِ الشعور بالنقص! لا تنظر الى نفسك كما قد ينظر إليكَ الآخَرون بنقائصهم، بل كما ينظر المسيح إليك، فأنت جزء من جسد المسيح، وأنت، “أنت بالذات” محبوبه.

– إقبل مَن حولك! أحبب! إقبل الاخرين ولا تطالبهم بأكثر من إمكاناتِهم، مقدّراً ظروفهم. المحبّة ضرورةٌ حياتيّةٌ للمُحِبِّ والمحبوبِ على السّواء. والحبّ يقتضي أن أقبل الآخر بالرغم من اختلافه ومن صعوبة التعامل معه. من هنا، إنّ عدم قبول الآخرين هو بمثابة النار المتأجّجة في القلب التي تقلق راحتك وتنقلب عليك أهوالاً وهمّاً وتزيدك قلقاً ومرضاً. بادِرْ إلى الحبّ لأنّه ضروريٌّ لحياتِكَ ونُضُوجِك! بادِرْ إليه فتكونَ قد بادرت إلى الله، لأنّ الله محبّة!

– إتعَبْ محبّةً بغيرك فترتاحَ نفسُك! إشغل نفسك بما ينفع، ولا تترك لها وقتاً فارغاً للقلق. أن لا تقلق لا يعني بالضرورة أن لا تتعب! يقول القدّيس باييسيوس الآثوسيّ: “مَن يتعب من أجل قريبه بدافع محبّةٍ صادقة يرتاح بتعبه، أمّا الذي يحبّ نفسه ويتكاسل، يتعب حتّى ولو كان جالساً”. اذكُرْ أنّ القدّيس سلوان الآثوسيّ قد اختصر المسيحيّة بصيغةٍ سِحريّةٍ على بساطتها: “المسيحية هي محبّة الاعداء”. المسيحيّة فرح، والفرح فيها يأتي من الموت على الصليب. لا فرح بدون صليب، صليب الآخر!

– أَلْقِ همَّكَ على الربّ وهو يَعُولُك! غالباً ما يعبّر القلق عن اختلالٍ في إيمان المريض بعناية الله والتسليم لتدبيره ومحبّته (انظروا الى طيور السماء … أبوكم السماويُّ يَقُوتُها، أَوَلَستُمْ أنتم بالحريّ أفضلَ منها؟!”

– ارجِعْ إلى حِضن ربّك، وَاسمح لِفِكر المسيح أن يَحُلَّ فيك ويشفيك! الرجوع إلى الله هو أوّلُ خطوة من خطوات التعافي للمريض المؤمن؛ ذلك أنّ خبرة الحياة الروحيّة تعلّمنا أنّ البحث عن أيّ مصدرٍ للسلام والفرح في غير الحِضن الإلهيّ هو وقت ضائع، فعندما تضطرب علاقتك بالله تضطرب علاقتك بنفسك. أفرغ عقلك وقلبك يوميّاً من الأفكار السيّئة والهموم، واملأهما بالمقابل بأفكار إيجابيّة: “أنا قَوِيٌّ بالمسيح الذي يُقوّيني” (في 13:4)، “الربّ نوري ومخلصي مِمّن أخاف” (مز 27:1)، “الرّبّ يرعاني فلا يعوزني شيء… حتّى ولو مشيت في وادي ظلّ الموت فلا أخاف سوءاً لأنّك معي”، “مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُم عليه لأنّه هو يعتني بكم” (1بط 5:7)، “كثيرةٌ هِيَ أحزانُ الصدّيقين ومن جميعِها يُنَجِّيهِمِ الرّبّ” (مز 19:33)، “لا تهتمّوا بشيء بل في كُلِّ شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلَمْ طلباتكم لدى الله” (في 4:6).

نشرة الكرمة
15 شباط 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share