البطريرك يوحنا العاشر يختتم زيارته لموسكو بقداس إلهي في كنيسة المخلص
موسكو، ٢٢ شباط ٢٠١٥
بقداس إلهي مهيب مع بطريرك موسكو في كنيسة المخلص وسط العاصمة الروسية اختتم البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس زيارته لروسيا. فقد ترأس البطريركان يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وكيريل بطريرك موسكو القداس الإلهي الذي اشترك فيه الوفد الأنطاكي المرافق لغبطته ولفيف من مطارنة وكهنة وشمامسة الكنيسة الروسية. وتمت في القداس رسامة الأرشمندريت ديمتريوس أسقفاً والشماس نيقولاوس كاهناً.
وفي ختام القداس ألقى البطريرك كيريل كلمةً جدد فيها ترحيبه بالبطريرك يوحنا منوهاً بعمق العلاقة بين الكنيستين ومصلياً من أجل عودة السلام إلى ربوع كنيسة أنطاكية في سوريا ولبنان. وردّ البطريرك يوحنا بكلمة تناول فيها عمق العلاقة الأنطاكية الروسية شاكراً لروسيا شعباً وكنيسة وحكومةً كل جهد إغاثي ومعنوي وسياسي لإحلال السلام في المشرق. كما تناول غبطته معاني الصوم الكبير الذي يهيئ لقيامة المسيح وقيامة الإنسان المرجوة.
وجاء في كلمة غبطته
” لقد سمحت النعمة الإلهية أن أكون بينكم اليوم في كنيسة موسكو الحية والعظيمة بإيمان أبنائها. وأتوجه بالشكر الجزيل لكم يا صاحب القداسة. فأنا سعيد أن أكون هنا ومن جديد بينكم وعلى مذبح كنيسة المسيح المخلص التي جمعتنا سوية العام الماضي. وتجمعنا اليوم أيضاً في بدء هذه الأربعينية المقدسة. تجمعنا لنشهد إيمانياً على وفاق الروح الذي يضم موسكو وأنطاكية في كرمة الرب وفي عصيرها الطاهر وإكسيرها الحي، كأس الإيمان الواحد التي تضم كياننا إلى صدر الرب. وها قد شهدنا اليوم على إثمار الروح فيها كهنةً ورؤساء كهنة. نقول لأخوينا المشرطنين: نتمنى لكما خدمة جديدة مكللة بنعمة الرب باسم كل إخوتكم في كنيسة أنطاكية.
الكنيسة المقدسة تضع لنا كل هذه التذكارات المهيئة للفصح المجيد وترصع بها جسد الفترة الصيامية لتقول وببساطة أنها شراعنا إلى ضفة الملكوت. وضفة الملكوت، التي نتذوق حلاوة النظر إليها من عباب هذه الدنيا، تبتدئ مع القلب المصلي والمتضع عشارياً والطارح عن ثناياه كبر الفريسي. ضفة الملكوت تعرف دوماً نغمة نفس الابن الشاطر: “أخطأت إلى السماء وأمامك يارب”، نغمةً تطرح عنها برقع التواني واليأس وتتسربل وشاح التوبة وتستعد لتقف أمام منبر الديان العادل وتسمع بقوة أفعال الرحمة ذاك الصوت العذب: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم”. ضفة الملكوت ترتكز ليتورجياً على هذا الأحد، أحد الغفران، أحد الملكوت المفقود لتيهان آدم والمكتسب بجراح المسيح. مسيرة الملكوت تستمد من صلاة السرياني أفرام عزماً يمخر بحر “البطالة والفضول والكلام البطال” بمجاديف “روح العفة واتضاع الفكر والصبر والمحبة”. ضفة الملكوت تجد في استقامة الرأي شراعاً وفي أيقونات القديسين رسماً لمجدٍ أبدي أعده الله لصدّيقيه وتصويراً للقداسة ونافذةً لها في عالمٍ تكده أمواج الجنوح الأرضي. ضفة الملكوت تهتدي دوماً بالنعمة الإلهية والمؤلهة، والتي تكلم عنها غريغوريوس بالاماس والتي تستوطن وتستقر في الفكر وفي الجسد البشريين فتسبغ عليهما مسحةً من لدن العلي، مسحةً تُدنيه لغير المدنوّ منه. مسحةً تدنينا من صليب الرب الذي نأتزر به قوةً في التجربة وعوناً في الضيق، مسحةً تدنينا من جلجلته الرهيبة التي تضمحل أمام ذكراها جلاجل ضيقنا وتنمحق أمام وعورتها كل وعورة دربنا. ضفة الملكوت تتويج لسلم فضائل حياتنا. ضفة الملكوت لا تعرف إيماناً وإقراراً لفظياً إيمانياً بل تعرف فضائل عمليةً هي مجاديف قلبنا إلى جوار البارئ، نبع الصلاحِ والفضيلة والخيرية. ضفة الملكوت تحتاج نضالاً روحياً ونفوساً رهبانيةً، والأخيرةُ ليست حكراً على الرهبان، نفوساً مريميةً تقتدي بتلك التي قالت: “ها أنا أمةٌ للرب” ولتلك التي طرحت عنها وشاح اليأس وقامت من قعر خطيئتها، في الساعة الحادية عشر فنالت بحق حظوة القديسين. ضفة الملكوت تريدنا كأطفال أورشليم. نفرش خبايا النفس وثناياها مع السعف وأغصان الزيتون لملك بسيط يبحث عن قلب متضع ينظر ويعيش مسيرة آلام ربه ويرتعش وإياه أمام ظلام الجلجلة ولا يهابه بل يدوسه بصليب أمسى فخراً لنا وبحربةٍ شقت لنا مسلك الحياة ويمسحه بنور عتبات القبر الفارغ ويدحرج عليه حجر القيامة ليلتمع وميضها كياناً يذوب بالرب ويرتل مع ملائكته: قام المسيح ومعه أقام كل الجبلة.
كل هذا وضعته الكنيسة المقدسة أمامنا في هذه الفترة. وإذ نضعه ونستذكره وإياكم يا إخوتي، نصلي من أجلكم يا صاحب القداسة ونصلي من أجل شعبكم الطيب. ونبعث من هنا بالتحية لفخامة الرئيس فلاديمير بوتين ومساعديه في الحكم ونعوّل كثيراً على الدور الروسي في الدفع باتجاه الحوار والحل السلمي السياسي في سوريا وترسيخ أسس ودعائم الاستقرار في لبنان وفي كل منطقة الشرق الأوسط، كما نعول عليه أيضاً في الضغط من أجل الإطلاق الفوري لأخوينا مطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي المختطفين منذ عامين وسط صمت دولي معيب. ونشكر أيضاً روسيا، شعباً وكنيسةً وحكومةً للتعاضد مع كنيسة أنطاكية وشعبها سياسياً ومعنوياً ومد يد المعونة والمساعدات الإنسانية. ونطلب منكم الصلاة من أجل كنيسة أنطاكية وشعبها الطيب ومن أجل كل مخطوف وكل مهجر ومتضرر مما يجري في مشرقنا المعذب. نصلي دوماً أن يديم الله رحمته على روسيا ويحفظ سوريا ولبنان والمشرق ويعطي سلامه للعالم ويمسحه بنور وجهه القدوس، هو المبارك إلى الأبد، آمين”.
وبعد القداس ومائدة المحبة، ودع البطريرك كيريل البطريرك يوحنا والوفد المرافق. وأوفد لوداعه في مطار موسكو المتروبوليت ايلاريون رئيس قسم العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو. وشارك أيضاً المتروبوليت نيفن صيقلي ممثل غبطته لدى البطريرك الروسي ورئيس جمعية “وحدة الشعوب الأرثوذكسية” فاليري ألكسييف ولفيف الإكليروس الروسي.
وفي بيروت استقبل غبطته في المطار من قبل متروبوليت بيروت وتوابعها الياس عودة والسفير الروسي ألكساندر زاسيبكن.
يذكر أن زيارة غبطته إلى موسكو ضمت جملة من النشاطات من جملتها لقاء بوزير الخارجية سرجي لافروف واستلام جائزة جمعية “وحدة الشعوب الأرثوذكسية”