نور مِن نور إله حق مِن إله حق – المطران جورج (خضر)
في هذا الأحد القائم بين خميس الصعود وأحد العنصرة، لنا اليوم ذكرى الآباء القديسين الثلاث مئة والثمانية عشر الذين اجتمعوا في المجمع النيقاوي الأوّل ووضعوا القسم الأكبر من دستور الإيمان حيث نقول عن الابن انه “نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق”. أي انه ظاهر من نور الآب كما يظهر الشعاع من الشمس. المسيح غير مخلوق. قبل ان يتجسد من العذراء، كان قائما منذ الأزل في أحضان الآب.
هذه هي عقيدتنا. والشخص الذي أبرز هذا الإيمان هو القديس أثناسيوس الكبير الذي كان آنذاك شماسا ورافق مطرانه إلى المجمع المسكوني الأوّل سنة ٣٢٥ وكان له دور مهم فيه. شرح القديس أثناسيوس هذا الإيمان في كتاباته ولا سيما “تجسّدُ الكلمة”. انطلق، كما كل آباء المجمع الأوّل، من أمر بسيط وهو أننا مخلّصون. ولكي يكون خلاصنا حقيقيا ينبغي أن يكون المعلّق على الصليب إلهًا وإنسانا في آن واحد. لأنه لو لم يكن إنسانا لما مات أحد على الصليب والإنجيل يؤكد انه مات على الصليب. ولو لم يكن المعلّق على الخشبة إلهًا لما افتُدينا ولكُنّا بعد في خطايانا، لأن الانسان كيف يفتدي الانسان؟ كيف يُخلّص إنسانٌ الإنسان؟ المسيح إله وإنسان في آن واحد. هذا ملخّص إيماننا به.
ثم ان هؤلاء الآباء الذين ذهبوا إلى المجمع من كل أنحاء المسكونة وبالأخص من الشرق عُذّبوا من أجل المسيح. لم يكن الأساقفة المشاركون في المجمع علماء أو أساتذة في اللاهوت. المهم فيهم انهم عايشوا الاضطهاد وتألموا من أجل المسيح، إذ لم يكن قد مرّ أكثر من اثنتي عشرة سنة على اعلان حرية الدين في الامبراطورية. جاؤوا إلى المجمع ليشهدوا للإيمان الحقيقي بآلامهم، بجراحاتهم، بعذاباتهم.
في المقطع من أعمال الرسل الذي يُقرأ اليوم، جمع بولس الرسول الكهنة الذين في أفسس وقال لهم أن ينتبهوا إلى رعية الله التي أَقامهم الروح القدس أساقفة عليها ليَرعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه. يتكلم بولس هنا بوضوح عن دم الله. فأي دم هذا الا الذي عُلّق على الصليب، يسوع الناصري؟
ثم نقرأ اليوم من إنجيل يوحنا: “الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك والذي أَرسلته يسوع المسيح”. فإذا كانت الحياة الأبدية أن نعرف المسيح، اذا كان الخلاص أن نعرف يسوع المسيح، أن نعيش معه فهو ليس شخصا عاديا ولا نبيا كالأنبياء، هو الفداء.
لكوننا نؤمن بأن يسوع هو الفداء الخالق الذي أتى إلى العالم ليخلّص كل إنسان، ونؤمن أنه مات على الصليب من أجل الإنسان، نؤمن أيضًـا بأنه يحتوي كل إنسان وبأنه يضم إلى ذاته كل حيّ وكل ميت. لذلك كانت هذه الذكرى التي نعيّد فيها للمسيح إلهًا وإنسانًا معًا وللآباء الذين أَكّدوا إيماننا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
24 أيار 2015