أحد جميع القديسين – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday June 8, 2015 107

أحد جميع القديسين –  باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء،
اليوم نقيم تذكاراً، أو إحتفالاً لنتيجة سر الخلاص، وهو العودة الى الحياة الفردوسية عن طريق إكتساب أو إسترجاع المواهب التي كانت لنا منذ البدء. إنه عيد القداسة والقديسين. ونسميه أحد جميع القديسين بالمعنى الحرفي يعني كل الذين إنتقلوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية، مرضين لله وطائعين لكلمته ومكرسين حياتهم للعيش بما يتوافق مع إرادته ومشيئته.

jesusولكن الرسول بولص يدعو جماعة المؤمنين، جماعة القديسين، كما هو وارد في أمكنة كثيرة، واما انه يطلق اللقب على جماعة، أو على شخص، أو على بيت فيه مؤمنون. وكان يعني بذلك أن الذين يسميهم قديسين، قد تقدسوا بمواهب الروح القدس في المعموديّة، وكرَّسوا ذواتهم لله، وصبغوا كل شيء لهم بما عنده. ويفسِّر هذا الإلتزام الأخلاقي الكامل في حياة المسيحيين الأوائل بحيث أن بعض الهفوات التي نتجاوز عنها اليوم كانت كافية لإخراج المؤمن من جماعة المؤمنين، وما كانت الجماعة الأولى تقبل بأي إحتجاج. وكانوا يتقدّمون جماعات جماعات الى الإستشهاد من غير أن يقبلوا إعتذار أو حجة تقدَّم لهم للفرار من ساحة الشهادة. هذا الهدف أي القداسة صار هدفاً للجميع لكل من آمن بالرب يسوع المسيح على أنه إبن الله المخلص. وفي هذا السعي تطبيق للدعوة الصريحة الى القداسة والكمال. “كونوا قديسين كما اني أنا قدوس يقول الرب”، “كونوا كاملين كما اني أنا كامل”. في الدعوة هذه ثلاث أفعال. أولاً أمر لايقبل الجدل لنحقق ما كان منذ البدء. فعندما سئل ربنا يسوع المسيح من قبل بعض اليهود في الزواج والطلاق لم يقبل الشرائع الوضعية بل ما كان منذ البدء. لم يكن هكذا منذ البدء فالدعوة الى القداسة، لأن القداسة كانت حياة الإنسان منذ البدء، وهو صاحب  السلطة ليأمرنا، لأنه باستطاعته أن يقول للشيء كن فيكون وإرادته فعل. وفي كلمة “كونوا” تمني. يشبهها في ذلك قول الصديق لصديقه المخطئ أو المتعثر: “غيِّر طريقك، بدّل سلوكك”، وكذلك قول المرشد الروحي لأبنائه الروحيين. وهنا تمني بمعنى الأمر لأن الإنسان مخلوق حراً، ويظهر هذا من طلب الله الى آدم أن لا يأكل من شجرة معرفة الحياة لأنه في يوم يأكل منها موتاً يموت. هذه الدعوة تمني بقوة، أن يصبح الإنسان قديساً مطيعاً لله بهذا التمني. ونحن ندعو الله “أبانا الذي في السموات”، “ابا أيها الآب”، وندعوه بهذا مؤيدين بالروح القدس الذي لولاه لما استطعنا أن نقبل هذه الدعوة، ولا أن ندركها في أعماقها.
وبدون أي تردد يمكننا أن نقول ان الذين يسعون الى القداسة هم الذين يغوصون في الأعماق كصيادي اللؤلؤ. فمن بقي على الشاطىء إصطاد مما لا قيمة كبيرة له، ومما أهمله الصيادون. أما الذين يغوصون في البحر وهم مهرة جامعي اللآلىء فهؤلاء يجمعون الجواهر المكنوزة في أماكن قصية وذات قيمة عالية. وهو قصد ربنا يسوع المسيح بالكنز المخبأ الذي باع من وجده كل ماله واشتراه. أو اللؤلؤة للتاجر، للحصول عليها باع كل ماله من جواهر ولآلىء ليحصل على هذه الجوهرة، لأنها تساويها قيمة. فكم تألم ربنا عندما طلب منه التلميذان يوحنا ويعقوب أن يعطيهما مكانة بشرية عالية فقال لهما أنتما لا تعرفان ماذا تطلبان.
وكذلك عندما طلب منه الناس بعد كسر الخبز أن يصير عليهم ملكاً، ألم يسمعوه قائلاً : “إعملوا للطعام الباقي لا للطعام الفاني”، ألم يسمعوه يقول لهم: “إطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذا كله يزاد لكم”.
إن طلب القداسة وإستدراك مبادئها في هذه الحياة، وتذوق لذة التواصل معها ينسيان الإنسان كل لذة أرضية، وكل إهتمام أرضي، ويبقى الإنسان متعلقاً بأحوالها ناسياً أو ساهياً عما سواها أو على أقل تعديل لا يعره إهتماماً.
هذا يفسِّر لنا حالة الشهداء أثناء صبرهم على النار، أو صبرهم على تقطيع أوصالهم، أو تحمل كل أنواع الإضطهادات فلولا تذوقهم مسبقاً ما ينتظرهم كيف كانوا سيصبرون أو يتخلوا عن هذه الحياة فالسيد قال لهم: “من أحب أماً أو أباً أو أخاً إلخ لا يستحقني”.
كيف نفسر أن الملوك والأمراء وأصحاب الجاهات تركوا كل شيء وتبعوا المسيح لو لم يكونوا قد ذاقوا وهم في هذا العالم ما هو أسمى من أفراح هذا العالم ومسرّاته. إذاً القداسة تعاش على هذه الأرض قبل الإنتقال الى الحياة الدائمة. وتعاش في البيت والحقل والوظيفة، والرفقة، وفي كل الأحوال البشرية فهي ليست ما يأتي فقط في الحياة الآتية. بل في الحياة الآتية يتكامل ونعيشه منتقلين من مجد الى مجد.
جعلنا الله في عداد قديسيه لنثمر ثمار الروح القدس في حياتنا، ونزداد به إرتقاءً نحو ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، وهو الذي أعده الله للذين يحبونه قبل إنشاء العالم.
وكل عام وأنتم بخير ساعين فقط لتظهروا ثمار الروح في حياتكم.                              

نشرة البشارة

07 حزيران 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share