في الصلاة – المطران سابا (اسبر)

mjoa Tuesday June 16, 2015 116

في الصلاة – المطران سابا (اسبر)

رافقت الصلاة الإنسان منذ القديم، ولطالما رافق الدعاء والتسبيح توجّهه نحو الإله. وفي الإنجيل المقدّس دعوة صريحة إلى الصلاة، توجّها الربّ يسوع باختلائه مرّات عديدة لكي يناجي أباه السماوي. ما أنتج غنى بديعاً في، ما يمكن أن نسمّيه، لاهوت الصلاة في الكنيسة المسيحية، وأنماطاً متعدّدة للصلاة ونصوصاً وأشعاراً رائعة.

christian prayerولأنّ الصلاة إحدى أركان الإيمان الأساسية، يصلّي المؤمنون سوياً في اجتماعهم معاً، كما يصلّي كلّ منهم صلاته الخاصّة فردياً. ولعلّ النصّان الأقرب إلى أهميّة الصلاة الجماعية والصلاة الفردية هما “متى اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في ما بينهم” و “فإذا صليت فادخل غرفتك وأغلق بابها وصلِّ لأبيك الذي …”(مت6/6).
تشمل الصلاة الطلب والتسبيح والشكر، لكن الطلب يحتلّ عند المبتدئين الحيّز الأكبر. وهذا بحدّ ذاته ليس خاطئاً ولا معيباً، وإنّما يدلّ على درجة النمو الروحي للإنسان. سيبقى هذا الوجه الصلاتي موجوداً طالما أنّ الإنسان في هذا العالم الأرضي، ولم يبلغ الملكوت، حيث لا يبقى سوى التسبيح، على غرار الملائكة.
يطلب المؤمن من أجل خلاصه أولاً، ومن ثم من أجل خلاص الآخرين. وقد بلغت المحبّة عند المتقدّمين روحياً حدّاً باتوا فيه لا يطلبون خلاصهم بمعزل عن خلاص العالم. هكذا كان القدّيس سلوان يصلّي ” ارحمني وارحم عالمك … هبْ جميع الشعوب أن تعرفك بالروح القدس”. صلاة المؤمن من أجل الآخرين والعالم واجب لا يمكن التهرّب منه، تطبيقاً لوصيّة الربّ “أحبب قريبك كنفسك”. إنْ أحببت خلاصك تحبّه لقريبك أيضاً.
درجت الكنيسة على تعليم أبنائها أن يحملوا العالم في صلواتهم. نرفع الدعاء في صلواتنا الجماعية “من أجل سلام العالم، اعتدال الأهوية، المسافرين، المرضىى، المشرّدين، الذين هم في الضيق، الذين يحبّوننا والذين يبغضوننا، الحاضرين معنا والمتغيبين عنّا … إلخ”، كما نرفع الموجوعين، بأسمائهم الشخصية، في صلواتنا الفردية والجماعية.
يقودني الكلام في هذا السياق إلى أهميّة الصلاة اليوم من أجل الواقع الأليم الذي تحياه بلادنا. يعتبر المؤمنون الصلاة إحدى وسائل مقاومة الشرّير وشرّه. لا بل هي عند الأتقياء وسيلة لا غنى عنها أبداً. هكذا عاش المؤمنون، يلتجؤون إلى سيّد التاريخ ولا يكفّون عن التضرّع إليه من أجل رحمة العالم الذي يعيشون فيه. يصلّون ويتضرّعون واضعين عالمهم وحياتهم وحياة الآخرين بين يديه. يكفيهم التوجّه إليه سواء استجاب طلبتهم أم لا. وعندنا في التاريخ تدخلات عديدة له. ويكفينا تذكيراً بأنّ مديح العذراء الذي يحبّه جميع المؤمنين قد نُظم، شكراً ومدحاً لها، بعد إنقاذ مدينة القسطنطينية وذلك بعد طواف تضرّعي بأيقونة السيّدة العذراء حول أسوار المدينة.
لطالما نبّه أنبياء العهد القديم شعبهم، الذي غالباً ما رفض سماع كلامهم، إلى أهميّة العيش في التوبة حتّى يوقف الله الحرب، ولم يسمع شعبهم لهم. ينبّه الله الأتقياء من المؤمنين إلى دورهم في عيش روح الصلاة، أي التوبة خاصّة في زمن الضيق والأخطار. ترتبط الصلاة بالعيشة المستقيمة التي تُرضي الله. و”طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها”(يع ). إن كانت حياتنا متوافقة مع صلاتنا سيسمعها الله دونما أيّ شك.
في خضّم الآلام والأخطار والضيقات التي نحياها منذ سنوات، أترانا نصلّي بدموع وترّجٍ ورجاء؟ لماذا لا نلجأ إلى الصلاة التضرّعية جماعياً؟ ولماذا لا تلقى المبادرات الروحية التجاوب المطلوب؟ كما أنّ الدعوة إلى هكذا مبادرات خجولة إلى درجة تُخجل. أليس لأنّ انفصاماً ما حقيقياً قائماً بين ما نعلن إيماننا به وبين سلوكنا الفعلي؟
الصلاة، خاصّة الجماعية، تعزّي المؤمنين في زمن الشدّة، وتقوّيهم وتملأهم حضوراً إلهياً يبثّهم أماناً داخلياً وقدرة على عدم الوقوع في التوتر والاضطراب اللذين غالباً ما يقودان الإنسان إلى فقدان التعقّل والحكمة. إنّها سبيل الإنسان إلى السلام الداخلي. واجب المؤمنين، الذين هم في قلب الضيق والذين هم بعيداً عنه، أن يدعو إلى سهرانيّات وصلوات سجود وأصوام خاصّة عسى الله يملأ الجو بروحه الإلهي فيطرد روح الشرّ ويُضعفه.
كفى الصلاة أن توّحدنا في التضرّع لكي ما نعي أنّنا عائلة واحدة في السرّاء والضرّاء.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share