أحــــد العنصــرة – اللغة الواحدة
كلمة الراعي:
اللغة الواحدة
“كيف نسمع نحن كلَّ واحد منّا لغته التي وُلِد فيها؟
ها اننا نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله! ”
هذا الكلام قيل من قبل الجموع المحتشدة في ساحة الهيكل يوم الخمسين.
هذا الحدث المهم جداً، حدث حلول الروح القدس على تلاميذ الرب، انما هو “الحدث” الذي ألغى الحواجز بين البشر – فالفواصل قائمة بسبب خطيئة الانسان الكبرى، خطيئة الكبرياء التي جعلت في القديم مسافات تقوم بين الناس في كافة المجالات كونهم نسوا محدوديتهم فأرادوا ان يقيموا برجاً يصل الى السماء لكي ينجوا حسب زعمهم من “طوفان” كانت خطيئتهم وحدها سبباً له،
فأسقطوا على الله صفات ضعفهم وأرادوا ان يتحدّوه ناسين انه “وحده” مصدر انسانيتهم، فنتج عن ذلك تبلبل ألسنتهم فلم يعودوا يفهمون ما كانوا يكلمون به بعضهم بعضاً لأن من يقطع علاقته مع الله، يقطع حتماً علاقته مع أخيه الانسان المخلوق على صورته وهكذا يصبح رفض الله رفضاً للآخر حتماً.
وأتت العنصرة، وبحلول الروح القدس على التلاميذ القابلين ايّاه بتواضعهم، أُزيلت بلبلة الانسان، وأولئك الذين لم يكن بإمكانهم ان يستمعوا الى الرسل بسبب لغاتهم المختلفة ولا ان يفهموهم ولا ان يقبلوا بتبشيرهم هؤلاء أزالت النعمة الالهية الحواجز من طريقهم وأصبح طريق كلام الخلاص الالهي سالكاً الى آذان وقلوب المستمعين كلهم ما عدا الذين كانوا “ممتلئين من أنفسهم” فلم يستطيعوا ان يميّزوا العمل الالهي واعتبروا ان الحدث الالهي الذي ليس بعده حدث، هذا هو فعل سكر وسلافة، فلم يستطيعوا ان يرجعوا الى الله لكي يشفيهم.
أيها الاحباء، العالم أجمع بحاجة ان يسمع عظائم الله ولا خلاص للعالم دون عنصرة- فآلام الرب وقيامته أحداث لولا حلول الروح القدس، لَجَمُدَت في مكانها ولتذكرناها وتذكرها العالم كأحداث تاريخية عابرة ليس الاّ- خلاص الله لنا وللعالم لا يستطيع ان يكون حدثاً عابراً نتذكره كحدث تاريخي فقط -ان لم يُنقل اليها الخلاص “اليوم”، الخلاص الذي تعيشه في كل لحظة، ستفتش عن خلاص مزيّف ولن تصل الى مراعي الخلاص-
اليوم صار الخلاص للعالم هذا ما نردده في كل خدمة الهية قبل المباشرة بإعلان تبريك مملكة الثالوث الأقدس التي نُدعى الى دخولها لكي نلج الى ملكوت محبة الله الوحيد فنحيا بأكلنا جسده المقدس وبشربنا دمه الكريم.
اليوم أي “في كل يوم” الناس ونحن في حاجة الى تقبّل نعمة الروح القدس لكي نكتشف عظائم الله ونكشفها للناس حولنا.
لن نستعفي، نحن مدعوون ان نفتح قلوبنا وعقولنا وحياتنا لنعمة الروح القدس التي ان تقبلّناها، تجدّدنا وتجدّد حياتنا في الرب وبالتالي تعطينا القوة لكي نهدم الحواجز بيننا وبين الآخرين فَيَقبَل الناس حولنا عطية الروح القدس.
الأمر ليس سهلاً والخدمة شاقة اذ أننا سنجد في طريقنا من يقول لنا أننا امتلأنا سلافة أو سكراً وسنجد من يسعى عن جهل أن يقيم الحواجز.
ولكن الروح يهبّ حيث يشاء ونعمته التي حطمت الحواجز منذ ألفي سنة تقريباً ستحطمها اليوم ان اجتهدنا بالصلاة والمحبة الأخوية ان ننقل بشارة خلاص الهنا بألسنة بشرية نعرفها “لكناء” ولكنها قوية بقوة الاله القدوس المبارك فينا الى أبد الدهور.
مطران عكار وتوابعها
+بولس
نشرة البشارة
العدد 24 – في 11/6/1995