عاش نيكيفوروس الأنطاكيّ وقضى شهيدًا للمسيح في زمن الإمبراطورَين الرومانيّين فاليريانوس وغاليريانوس. وهو رجل عاميّ ربَطَته بأحد كهنة المدينة، سابريكيوس، صداقة حميمة حتّى بدا الاثنان روحًا واحدة وقلبًا واحدًا وإرادة واحدة. ولكن من حسد إبليس وبمكيدته اختلفا فيما بينهما فاستحالت صداقتهما عداوة. وبقدر ما كانت صداقتُهما متينة عميقة صارت العداوة بينهما شديدة عنيفة.
لكن برحمة الله، عاد نقفر إلى نفسه فأدرك فظاعة الكراهية وأنّه سقط في فخّ إبليس فتاب إلى ربّه، وبعث إلى سابريكيوس بوسطاء يستسمح على ما بدر منه محبّة بيسوع. فلم يلقَ لدى سابريكيوس سوى أُذُنًا صمّاء وقلبًا قاسيًا. فأرسَل نقفر آخرين يتوسّطون من أجله فلم يكن نصيبهم خيرًا من نصيب من سبقوهم. فأوفد آخرين ثالثة فلم يلقوا غير الخيبة. فخرج إليه بنفسه وألقى بنفسه عند قدميه واعترف بخطيئته وطلب عنها الصفح بتوسّل. ولا حتّى هذا الأسلوب نجح. بقي سابريكيوس قابعًا في جبّ حقده وعناده. عبَر بنقفر المطروح على الأرض قبالته بإعراض مطبق.
فجأة اندلعت شرارة الاضطهاد من جديد فقُبض على سابريكيوس. وأمر الوالي بتعذيبه بعدما قال أنّ آلهة الأمم شياطين. وبدا للجلّادين أنّهم أمام إرادة فولاذيّة لا طاقة لهم على ثنيها، فلفَظَ الوالي بحقّه حكمًا بالإعدام. وللحال اقتبل سابريكيوس الحكم بالإعدام. كلّ ذلك ونقفر حاضر. فدنا منه وارتمى عند قدميه هاتفًا: “ياشهيد المسيح، سامحني على إساءتي إليك!”. فلم يتفوّه سابريكيوس بكلمة. وعاد نقفر شقّ طريقه بين الجنود وواجه من جديد سابريكيوس وارتمى عند قدميه سائلًا صفحه من جديد بدموع. ومن جديد لزم سابريكيوس صمت القبور وبقي متصلّبًا. حتّى لم يشأ أن ينظر إلى نقفر بالوجه. أمّا جنود المواكبة فسخروا من رجل الله ونزلوا عليه بالسياط وهم يقولون: هذا الرجل في منتهى الغباء لأنّه يطلب الصفح من رجل على أهبة الموت!.
أخيرًا، وصل الموكب إلى محلّ الإعدام فخاطب الجلّاد سابريكيوس قائلًا: اركع لأقطع رأسك! كانت النعمة الإلهيّة قد ارتفعت عن سابريكيوس فخرج عن صمته وقال: لماذا تقطعون رأسي؟! فأجابوه: لأنّك ترفض أن تضحّي للآلهة وتتنكّر لأوامر الأباطرة حبًّا بذاك الإنسان الذي اسمه يسوع! فصرخ سابريكيوس: انتظروا يا إخواني! لا تقتلوني، فأنا مستعدّ لأن أفعل ما تريدون! أنا مستعدّ للتضحية للأوثان! كلّ هذا على مسمع من الجموع الذين كان نقفر في وسطهم. فنزل كلام سابريكيوس في صدر نقفر كالحربة! سقط سابريكيوس! يا للهول! فصرخ إليه: ماذا تفعل يا أخي؟! تتنكّر ليسوع المسيح، معلّمنا الصالح! لا تضيّع الإكليل الذي سبق لك أن ربحته بعذاباتك وآلامك ! فلم يشأ سابريكيوس أن يسمع! إذ ذاك تقدّم نقفر بشهامة وبدموع وقال للجلّاد: أنا مسيحيّ وأؤمن بيسوع المسيح الذي أنكره هذا الشقيّ، وأنا مستعد لأن أموت عوضًا عنه! فتعجّب الحاضرون واضطرب الجند فأرسلوا يسألون الوالي في أمره. قالوا: سابريكيوس قرّر أن يضحّي للأوثان ولكن هناك رجل جاهر بمسيحه وقال إنّه مستعدّ للموت! فأمَر الوالي بإطلاق سراح سابريكيوس وإعدام نقفر. فتّم كما أمر واستكمل رجل الله الشهادة.