أحــد السامريَّة – المطران بولس (بندلي)
لو كنت تعرفين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً (يوحنا 4 :10)
أيها الأحباء:
هذا الكلام قاله الرب يسوع لامرأة سامرية، قاله لها في الوقت الذي كان قد جلس فيه على حفة بئر يعقوب، تعباً، عطشاناً، جائعاً كيف لا وهو الاله المتجسد الذي أتانا ليشارك حياتنا البشرية في كل معاناتها!
يجلس تعباً ليلاقي تعبنا فيرفعه عنا، يجلس جائعاً لكي يكون بالنسبة لنا خبز الحياة، يجلس عطشاً لكي يؤكد أنه آت ليروي العطاش بماء ليس هو الماء المادي بل الماء الالهي الذي انسكب وينسكب علينا من جنب مطعون من أجلنا يختلط بدم الهي فنرى ونؤمن أن المصلوب من أجلنا قهر الموت بموته وان خرج من جنبه دم وماء وذلك لكي يؤكد لنا أنه يغسلنا باستمرار بدمه القدوس من ادران الخطيئة ويطهر حياتنا بحميم اعادة الولادة بالماء والروح فتنتصر فينا قوة قيامة المسيح.
ولكنه يقول للمرأة السامرية التي تجادله، يقول لها بتأكيد “اعرفي أولاً عطية الله” والله هو العاطي الذي يمنّن، الذي يعطي بدون حساب بشري، يعطي لأنه محب، يعطي لأنه مصدر كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة، يعطي كل نعمة فهل نعي أنه يعطينا ويعطينا باستمرار!
هل نحترم عطيته ونقبلها بإيمان، هل نعطيها المكانية التي ترتبط بمعطيها الالهي؟
يجب أن ننتبه، كثيراً ما يحيط بعطية الله ضباب هذا العالم فيمنعنا أن نقدرها تقديراً حقاً! فهل نحن مستعدون أن نبذل قصار جهدنا لكي نكتشف عطية الله وهذا يطلب منا عناء كبيراً؟ هل نقبل أن نبذل الجهد المطلوب وأن نصبر على العناء لكي نكتشف حلاوة العطية الالهية؟
وهذه العطية ينقلها الينا كائن! ليس هو أي كائن كان! انه الرب يسوع الذي يلاقينا في وسط أتعابنا وشقائنا وهمومنا، وأحزاننا، فهل تقبل بالتالي أن نتعرف عليه أي أن نسعى الى علاقة صميمية نقيمها معه! ونعتبره كشخص عادي يمر في حياتنا مرور الكرام ولا نسعى أن نعطيه أية قيمة حقيقية في حياتنا! انه يستطيع أن يبقى المجهول الأكبر الذي يقرع باب قلبنا دون أن يسمع الجواب؟ هل نعتبره مزعجاً لنا لأنه يصعب علينا، ككل البشر، أن تكشف أمراضنا لأننا نشعر حينئذ بأهميتها وبمسؤوليتنا في ارتكابها.
ولكن هل ننسى أن الرب يسوع المسيح الذي يدخل حياتنا “مستأذناً” يدخلها لكي يكشف خطايانا فيشفيها -الا نسمع في انجيل هذا النهار المرأة السامرية تقول لأهل مدينتها: تعالوا! انظروا رجلاً قال لي كل ما فعلت أي بكلمة أوضح كشف لي كل أخطائي، يا للعجب! المرأة لم تعد تشعر بقوة خطيئتها بعد أن حدثها الرب يسوع عنها وكشف عن جراحها! وهذا الكشف الذي أجراه أليس الكشف الشافي من خطايانا الذي يكشفه السيد الفادي؟ هل نستطيع أن نفهم نداء المرأة لأهل مدينتها داعية اياهم أن يأتوا الى من كشف خطيئتها بل خطاياها سوى بأنها تيقنت أنها شُفيت برحمة من تواجه عوض أن تموت في خطيئتها.
عرفت عطية الله مجسَّدة في من تواجه فاستطاعت بنعمته أن تتحول من العاطي الى السائل المتوسل فأعطاها من هو عطية الله لنا -من هو الاله المتجسد، أعطاها أن تتمتع بالينبوع الذي لا ينضب ماؤو.
الا أهلنا الله أن نقول له: أعطنا من هذا الماء، الذي لم تصنعه يد بل رحمتك الغزيرة، أعطنا هذا الماء باستمرار لكي نحيا به لأنه ماء الحياة الأبدية التي لا تنتهي أبداً أهلنا الله لها. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+بولس
نشرة البشارة
العدد 19 – في 12 أيــّــــار 1996
أحــد السامريَّة