أمثولة أنطونيوس – المطران جورج (خضر)
سأحاول أن أقتبس من أنطونيوس ما أستطيع من أجلنا نحن اليوم، وكلّنا يعلم تقشّفه وضبطه لنفسه. وضع لنا القديس أنطونيوس قواعد هو ورهبانه ومن تبعهم في ما بعد. الرهبان، بالرغم من الظاهر، لم يهتمّوا لأنفسهم، بل أرادوا لنا أن نتبعهم ونحن في الدنيا، في عائلاتنا وفي أعمالنا. أي اننا إن لم نستطع أن نقتبس من أنطونيوس شيئًا لحياتنا اليوم، يكون قديسًا انصرف عنا ولا علاقة لنا معه.
صامَ القديس أنطونيوس. وما نستطيع ان نتّخذه لنا قاعدة في فترة الصوم هو ان الإنسان المسيحيّ لا يستطيع ان يعيش في تبذير ولا في ترف. هذه أول قاعدة نتّخذها من قدّيسنا الا وهي ضرورة مراقبة النفس.
هناك أيضًا ما جاء في الموعظة على السهل: «طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون» (لوقا ٦: ٢١). ستضحكون أي انكم ستبتهجون في الملكوت إذا كنتم باكين الآن. معنى هذا أنه علينا أن نستقبل كل الحوادث التي تطرأ علينا في العائلة وفي الوطن على أنها حوادث مُنجّية. الإنسان المؤمن يعرف ان يقرأ من الحادثة ما يحوّله لخلاص نفسه: مرضًا أو موتًا حلّ في البيت، هذا صليب نحمله ونمشي به حتى القيامة. المطلوب القيامة من بين الأموات، الخلاص من الخطيئة. ليس المطلوب الخلاص من سرطان أو من موت. هذه أشياء لا بد لها من ان تحدث، وعلينا ان نتقبلّها على انها طريق النور وطريق الحياة الأبدية. ما علّمه أنطونيوس ورهبانه هو اننا متألمون ولكننا لا نزجّ أنفسنا في الآلام. في الكنيسة الأرثوذكسية مفهوم «الإماتة» مفهوم خارج عن قاعدة الإيمان. الصوم ليس «إماتة» بتجريح أو قصاص للنفس، انه فعلٌ إيجابي، ارتفاعٌ عن الشهوات لنسير في طريق النُّور. وأما الآلام فهي موجودة ونحن نخرج منها بنعمة الإيمان، أي نخرج منها بالارتفاع فوقها.
أهم ألم يحدث في الإنسان هو الخطيئة، والإنسان يستطيع ان يخرج من الخطايا، وقد وضع لنا أنطونيوس قواعد لمراقبة النفس حتى لا تأتي الخطيئة اليها، وإذا جاءت فهنالك قواعد وضعها أيضا لنخرج منها. عندنا مبدأ أساسيّ في المسيحية هو أننا نخرج من الطبيعة إلى النعمة. عبارة تستدعي اهتمامنا: «نطلع» أو «نخرج» من الطبيعة إلى النعمة. كان مع الطبيعة، مع المادة، مع اللحم والدم. فيَلقى الروح القدس في ماء المعمودية فينتقل اليه.
يبقى أن جسدنا تراب، الطبيعة القديمة التي كانت فينا، التي ورثناها من أهلنا ومن البيئة ومن المجتمع. لكن المسيح فينا يدخل في صراع مع ترابيّتنا، أي انه يعمل داخل النفس وهي ممزّقة بين كيانها القديم وبين كيان النعمة الذي اكتسبته فيحوّلها إلى نفس انسكبت عليها النعمة، أي ان المسيح يأخذها اليه، يرفعها اليه. لا يغتصبها اغتصابا بل يحولها اليه إن هي أرادت هذا التحوّل في توبة حق.
ما قاله لنا أنطونيوس هو ان المسيح يستطيع أن يرفعنا اليه عن طريقين لا ثالث لهما: الطريق الأول مراقبة النفس وقد دعاها إلى التقشّف أو الجهاد الروحي. والطريق الثانية هي النعمة التي تأتي الينا بالمعمودية وبالمناولة وبالإنجيل وبالصلاة وبالتوبة. علينا أن نتقبلها، ان نجاهد نحوها فيلتقي جهدنا مع نعمة الرب فنصبح مخلّصين.
ذاك هو كل التعليم الذي جاء به القديس أنطونيوس. انه يدعونا إلى ان نرتفع بالتقشّف، بعدم البذخ، بعدم الترف، بالسلام الروحيّ، بالغفران لكل الناس.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
نشرة رعيتي
17 كانون الثاني 2016