لقاء المحبَّة مع سيادة المتروبوليت أنطونيوس الصُّوري

mjoa Thursday March 31, 2016 143

3لقاء المحبَّة مع سيادة المتروبوليت أنطونيوس الصُّوري

ببركة ورعاية صاحب السِّيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس)، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما، وبِدعوة  من فرع الميناء في حركة الشَّبيبة الأرثوذكسيَّة، أُقيمَ مساء الأحد الواقع فيه 2016/03/27 لِقاءُ مَحبَّة، مع سيادة المتروبوليت أنطونيوس (الصوري)، مطران زحله وبعلبك وتوابعهما، حول موضوع: “كيف نحيا الأحداث الخلاصيّة في الصوم وصولًا إلى القيامة،” في كاتدرائيَّة القدِّيس جاورجيوس – الميناء.
استُهلَّ اللِّقاء بصلاة الغروب بِرئاسة المطران أنطونيوس ومُعاونة قدس الإيكونوموس الأب ميخائيل دبس  والأب باسيليوس دبس، وشارك في التَّرتيل أعضاء من جوقة التَّرتيل الكنسيَّ.
ومن ثمَّ كانت كلمة ترحيبيّة من رئيسة الفرع الأخت باتي حدَّاد أبدت فيها امتِنَانها لِسيَادَة المطران أنطونيوس عَلى تلبيَّته الدعوة للقاء المحبَّة هذه، وهو الَّذي كان كاهِنًا ومُرافِقًا لأبناء رعيّة الميناء بكافّة أوجه خدمته فيها، مُتمنيّة له طول العمر في تكريس حياته لِلرَّبِّ وخرافه.
وبِدوره شكر سيادته المتروبوليت أفرام، كهنة الرَّعيّة وأبناءها على محبَّتهم وحُسنِ استقبالهم له في  الأبرشيّة، مع تمنِّيه بأنْ تَعُمَّ الفائدةُ الجميعَ من اللِّقاء للدُّخول أكثر فِي عيش إيماننا المبنيِّ على سرّ كشف الله لِذَاته للبشريَّة، عبر ابنه، الَّذي تجسَّد لأجلها.

2في بداية الحديث، أشار سيَادَتُه إلى عيد البشارة، الذي به يبتَدِئُ سِرّ التَّجسُّد وليس بالميلاد، لأنَّ تجَسُّدَ  الإله حصل عند حَبَل مريم العذراء به في أحشائها. وَمِن ثمَّ، عدّد الأسرار الخلاصيّة مُدلِيًا بِأنَّها تَظهَرُ وكأنَّها مُتَعَدِّدَة، مَعَ أنَّها بِالحقيقة ليست سوى سِرّ واحد، ليس بعده سِرٌّ، فيه كلُّ الأسرار، وبه نأتي إلى كلِّ الأسرار، الَّذي هو سرّ تجسُّدِ الكلمة، المكتومِ مُنذ الدُّهور وغيرِ المعلوم عند الملائكة، كما نُرتل في “الثيوطوكيّة” باللَّحن الرَّابع.
ومن مُنطَلَقِ عَدَمِ إدراك المؤمنين المُلتزمين لِكيفيّة عيش هذه الأسرار أو هذا السِّرِّ في الحياة  المسيحيّة، طرح سيادته عدة أسئلة إستمزج من خلالها آراء الحاضرين، وأهمّها:
 – هل نتعاطى مع سرِّ التَّجسُّد على أنَّه حدثٌ في التَّاريخ نَستَذكِرُه، أم نَتَعَاطَاهُ بِطريقةٍ مُختلِفة؟
 – هل لهذا الموضوع أثرٌ في حياة أيٍّ مِنَّا؟ بِمعنى أنَّ ما هو دور الحدث التَّاريخيُّ في  حياته، علاقته  مع الرَّبِّ وفِي خلاص نفسه؟
 – ما صِلة الأحداث الخلاصيّة الَّتي مرّت في خلاص أنفسنا، وبماذا نستفيدُ من تجسُّد، صَلبِ وقِيامة  المسيح، بينما نحن لا نزال نمرض،ونُخطىء ونموت إضافة إلى الحروب القائمة والفقر؟
 – ماهيّة الفرق بين توبة منَسَّى وداوود الملك قبل المسيح، وتوبتنا بعد المسيح؟ وهل أنَّ حال الإنسان واحدٌ قبل مجيء المسيح وَبعده؟
وهنا عقَّب الأب ميخائيل دبس قائلًا: إنَّ ما تحقَّق بيسوع المسيح أتى نتيجة التَّجسُّد واتِّحاد الطبيعة  الإلهيَّة بِالطبيعة الإنسانيّة، وأنَّ الرَّبَّ أعطانا، من خلال النِّعمة الإلهيّة، القُدرة على تخطي ضعفاتنا وتحقيق النَّصر بالصَّليب على الخطيئة، مَا لم يكن مُمكِنًا قبل الصَّلب والقِيامة، حيث كان الجميع  محكومًا عليهم بالموت في الجحيم. مع تجسُّد المسيح أصبح الاتِّحاد بين الإنسان والنِّعمة الإلهيَّة ممكنًا، وبِالتَّالي، نلنا الخلاص لأنَّنا بالتَّآزُر مع النِّعمة الإلهيَّة أصبحنا قادرين أن ننتصر على الشَّيطان وعلى ضعفاتنا وخطايانا، ونُحقِّقُ الظَّفر، الَّذي بدأه يسوع المسيح.

4وتَابَعَ سِيادَتُه مُوضِحًا أنَّ القِدِّيس غريغوريوس بالاماس، الَّذِي تُعَيِّد الكنيسة لِتذكاره اليوم، تطرَّق حَول النِّعمة الإلهيَّة وسُكناها في الإنسان، مُستَخدِمًا تعبير أقنمة النِّعمة، بحيث تُصبِحُ النِّعمَةُ الإلهيَّة جزءًا من أقنومنا، كما أنَّ ابن الله الإله صار إنسانًا، وهو كَأقنوم إله اتَّخَذَ بِالتَّجَسُّد طبيعةً بشريّة، فأصبح أقنومًا إلهيًّا بطَبِيعَتَينِ إلهيَّة وبشريّة. لِذَا، عند اتِّحادنا بِالمسيح، نأخُذُ مِنه النِّعمة الإلهيَّة، الَّتي تَأتينا بالرُّوح القدس، ليُصبح لدينا طبيعة بشريَّة ونعمة إلهيَّة في شخصنا البشريَّ، كما نقول في الميلاد: “صار الإله إنسانًا ليصير الإنسانُ إلهًا”. فَالخلاص هو سُكنَى الرُّوح القدس فينا، بِالنِّعمة الإلهيّة، أي سُكنى الثَّالوث القدُّوس فينا، بمشيئَة الآب بِواسطة الإبن في نعمة الرُّوح، وَبِالتَّالِي، إنْ اتَحَدنا بالألوهة فلا يعد لِلموت والخطيئة أي سلطان علينا في هذه الدنيا.

وعاد سيادته لِلتَّساؤل، كيف نعيش هذه الأمور في الأسرار وفي الأعياد؟
بالنِّسبَة إلَينا، كلُّ شيء تُمِّم في المسيح يسوع، وَنَنَالُ كلَّ عطيّةِ الخَلاص في الأسرارِ، لا سيَّما في سرِّ الأسرار المُتمثِّل في القدَّاس الإلهيِّ، الَّذي فيه ندخل ليس فقط في سرِّ الوِحدَة مع الله، لكن في الملكوت السَّماويّ، كما يقول الأب ألكسندر شميمن: “ليست السَّماء الَّتي تنزل إلى الأرض ولكن الأخيرة هِي التَّي تصعد إلى السَّماء”. وعن أهميَّة القدَّاس قال: إنَّه هو خبرة الملكوت الآتي، الَّذي نذهب إليه قبل أنْ يأتي، فنَصِيرُ، في هذا العالم، أيقونة هذا الملكوت، الَّذي نُبشِّرُ به إلى أنْ يأتي. فإذًا، هذا هو سِرُّ الخلاص، الَّذي غايتهُ، مَع كُلِّ الأسرار الأخرى، أن نقتَنِي الألُوهَةَ بِوَاسِطَة النِّعمَة، عَلَى حَدِّ قَول القِدِّيس سيرافيم  ساروفسكي إنَّ غاية الحياة المسيحيَّة هي اقتِناءُ الرُّوحِ القُدُس، الَّذي نتَّحِدُ، من خلاله، بالمسيح، خاصَّةً بالمناولة الَّتي نقول من بَعدها: “قد نظرنا النُّور الحقيقيَّ وأخذنا الرُّوح السَّمَاوِيَّ”.
فَضلًا عن تشديده إلى الدَّعوة لعيش سِرِّ التَّجسُّد، بِصُورَةٍ مُستَمِرَّة، مِن خلال حياة التَّوبة والجهاد الرُّوحيِّ، فاتِحين بَابَ القلبِ لله، عَبرَ طَاعَتِنَا له، مُتَمَثِّلِين بقول السَّيِّدة العذراء: “لِيَكُن لِي بِحَسَبِ قَولِكَ”. وأكمَلَ بِأنَّه  في كلِّ حَدَثٍ خَلاصِيٍّ لا نَتَذَكَّرُ، فَقَط، الحَدَثَ بِحَدِّ ذاته، الذِكرى مُهِمَّة لأنَّ الله دَخَلَ في تاريخنا، وَصار بِإمكَانِنِا الدُّخول فِي أزَلِيَّتِه وسَرمَدِيَّته، كما يقول القدِّيس سمعان اللَّاهوتي الجديد: “عند اتِّحاد الإنسان بالنِّعمة الإلهيَّة، يدخل في سرِّ سرمديَّة الله”، أي أنَّ الإنسَان يختَبِرُ معنى أن يكون موجودًا مَتى وُجِدَ في الله، والله وُجِدَ فيه. وأنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ، الَّذِي نغرُف منه في كلِّ الأعياد الكنسيّة، القدادي، الصَّلوات وفي كلِّ سرٍّ من أسرار الكنيسة، وأنَّ هذا ما نقتنيه.
5وأردف سيادته أنَّ المُشكِلَةَ تَكمُنُ فِي أنَّنا نَجهَلُ بِوجُودِ الكَنزِ الكَامِن في دَاخِلِنَا، مِمَّا يُشعِرُنا بِضعف التزامنا كَلِمَة الرَّبِّ، وأن يكون هو، بِالتَّالي، كلَّ شيءٍ في حياتنا، وأنَّ علينا السَّعي للوصول إليه وَالعيش فيه وبواسطته، عبر الصَّوم وَالصَّلاةِ، عَبرَ التَّأمُّل في ذواتنا وقراءة الإنجيل، الَّذي ليس هو مجرّد كتاب، لكنَّه كلمة حياة، الَّتي ينبغي سماعها، وَتَعلُّم الصَّلاة ومخاطبة الرَّبِّ من خِلالها، كما يقول الآباء: “الصَّلاة النقيّة هي نداءٌ إلهيٌّ واستِجَابَة بشريّة”. أيضًا، يقول القدِّيس غريغوريوس بالاماس: “النِّعمة تسكن فينا”، وهِي تبقى ولا تزول إلَّا إنْ كَفَرنا بالمسيح، بالرُّغم من توالي سقطات الإنسان وتوبته. للإنسَان سَعيٌ دائمٌ للبحث عن النِّعمَةِ في أعماقه بعد أن يجد نفسه، ضَعفَه وخطاياه، الَّتي يأبَى أنْ يراها، والَّتي دون التَّخلُّص منها لا يمكنه أنْ يَصِلَ إلى هذه النِّعمة الموجودة في داخله. لذلك، المعرفة هي الأساس لكي يمنحنا الرَّبُّ موهبة استغلال النِّعمة في داخلنا، لأنَّه في علاقتنا مع الرَّبِّ إمَّا أن نكون عقلاء أو جهلاء. العَاقِلُ هوَ من يرتضي التَّخلِّي عن مشيئته لأجل مشيئة الله، والجَاهِلُ هو الَّذِي يخدَعُ نَفسَه لاعتقاده أنَّ مشيئتَه هي مشيئة الله، إنَّما في العمق فإنَّها مشيئته الذَّاتيَّة.
أخيرًا وليس آخِرًا، دعى سيادته إلى التَّعمُّقِ في الكتاب المُقدَّس لمعرفة الرَّبِّ يسوع المسيح من خلاله، لأنَّ من يسعَى إلى المعرفة يُمكِنُه بِجَهدِه إيجَادَ إجاباتٍ على العديد من التَّساؤلات، الَّتي تجول في ذهنه، وأنَّ ما ينفع الإنسان هو ما يقتنيه وليس ما يتلقَّاه، والأهمُّ أن يعرف الإنسانُ اقتنَاء المعرفة بعقله ومن ثمًّ بقلبه، وأنَّ المسؤولية مشتركة بين الكنيسة والمؤمنين في تعزيز العلاقة مع الكتاب المُقدَّس، وبالتَّالي، الوصول إلى المعرفة الرُّوحيّة، كما يقول الرَّبُّ يسوع: “مَنْ لَدَيهِ أُذُنَان لِلسَّمع فليسمع”.
وختَم كلمته بالقول: إنَّ الصَّلاة النقيَّة هي نداءٌ إلهيٌّ واستجابة بشرّيَّة، وأنَّ كُلَّما تنقَّى الإنسان أكثر، كلَّما أستوعب أكثر كلمة الرَّبِّ في الكتاب، من خلال الإنسان والطبيعة.
وتلى ذلك إنتقال الجميع إلى قاعة الأخ كوستي بندلي للمشاركة في مائدة محبَّة أعدُّوها الأخوة من أسرة العاملين والعائلات لهذه المناسبة مع دردشة.

 

 

 

 1

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share