عُيّن على بلاد الكبادوك وأرمينيا الصغرى حاكمٌ اسمه أغريقولاوس، وكان أحد أكثر المتحمّسين لتنفيذ الأوامر الملكيّة، والقاضية في اتّباع القبضة الحديديّة إزاء أعداء الأمّة، وإذا عانَد المسيحيّون وتصلّبوا فلتنزِل بحقّهم أقسى العقوبات تهويلًا وتأديبًا. وطلَب أغريقولاوس من العسكر تقديم الإكرام لآلهة المملكة تعبيرًا عن ولائهم للوطن وقيصر. الكلّ خضَع إلّا أربعون امتنعوا لأنّهم مسيحيّون. ومثَلوا أمام الحاكم كرجل واحد. وكلّ كشف عن هوّيته بالطريقة عينها: ” أنا مسيحيّ!”. حاول الحاكم أن يستعيدهم بالكلام الملِق، أجابه القدّيسون “بالنّسبة لنا لا حياة إلّا الموت لأجل المسيح”. فأودعوا السّجن بانتظار الجلسة التالية. في اليوم التالي عاد فأسمعهم الكلام المعسول فتصدّى له أحد الأربعون، المدعوّ كنديدوس الذي فضَح لطفه الكاذب، فخرَج الحاكم عن طوره وأعيد الأربعون إلى السجن.
ومثل الأربعون أمام ليسياس، فلمّا رأى ثباتهم أمر بقيّة الجنود بكسر أسنانهم بالحجارة، وما أن تحرّكوا لينفذوا الأمر حتّى حلّ عليهم روح اضطراب ودبّ البلبال بينهم فأخذ بعضهم يضرب بعضًا. أمّا ليسياس فأثار المشهد غيظه فأخذ حجرًا ورمى به القدّيسين فلم يصب أيًّا منهم بل أصاب الحاكم، وتمّت إعادة الشهداء إلى السّجن بانتظار اتّخاذ قرار. أمَرَ الحاكم بتجريد القدّيسين من ثيابهم وتركهم في العراء. وجُعلوا على البحيرة في حرارة متدنيّة جدًّا. وحرارة الإيمان بالله كانت تُدفئهم. كلّهم تقوّى بالله إلّا واحد خارت عزيمته فاستسلم. فلمّا دخل غرفة المياه الساخنة أصيب بصدمة بسبب الفرق بين حرارة جسمه وحرارة الحمّام فسقَط ميتاً لتوّه وخسِر الدنيا وإكليل الحياة معًا. أمّا التسعة والثلاثون الباقون فنزَلت عليهم من السماء أكاليل الظفر. ونزل أيضًا إكليل إضافيّ لم يكن مَن يستقرّ عليه. هذا رآه عسكريّ اسمه أغلايوس فاستنار ضميره بالإيمان بيسوع. وللحال انضمّ إلى القدّيسين مجاهرًا بكونه هو أيضًا مسيحيّ. فحظي بالإكليل الأخير وبقيَ عدد الشهداء على ما هو عليه. وكان أن أُحرق الشهداء ونُثر رمادهم وألقيت عظامهم في النهر. وقد ورَد أنّ عظامهم توزّعت في أمكنة عديدة وأنّ إكرامهم انتشر بصورة خاصّة، بفضل عائلة القدّيس باسيليوس الكبير. القدّيسة أماليا، والدة القدّيس باسيليوس، بنَت أوّل كنيسة على اسم الأربعين شهيدًا. وحمل الدير الذي رأسته مكرينا أيضًا اسمهم. استشهد هؤلاء القدّيسون عام 320.
طروبارية القدّيسين الشهداء
يا ربُّ بأوجاع القديسين التي تكبَّدوها من أجلك، تعطَّف واشفِ أوجاعنا نحن المتضرّعين إليك، يا محبَّ البشر.