عيد الأم – المطران بولس (بندلي)
أمس وفي الواحد والعشرين من آذار عيّد العالم أجمع عيداً عزيزاً على قلب كل انسان، الا وهو عيد الأم، وها نحن في هذا العيد، مدعوون أن نتأمل به، أن ندخل الى أعماق معانيه لكي لا يعبر عبوراً سطحياً بل يجوز في أعماق حياتنا. ويبقى مرافقاً لنا ليس فقط في يوم من أيام سنتنا بل تبقى ذكراه منتصبة في ضمائرنا لتحيا بها.
نحن في أحد السجود لصليب الرب الفادي وقد رتّبته الكنيسة المقدسة لهذا الأحد الثالث الذي يتوسط صومنا الأربعيني المقدس فتشحذ هممنا لكي نتابع المسيرة الخلاصية بكل أمانة فنصل للسجود لصليب كان أداة موت فأصبح طريق حياة وكان لعنة تتناول من يُعلّق عليه بسبب جرائم اقترفها، فأمسى موزعاً لبركة ابراهيم من قِبل اله أصبح بشراً فمدّ يديه المسمرتين لكي يضم الجميع الى نور ملكوته -وعند أقدام هذا الصليب كانت هناك أم- وبتول معاً، بل أم دائمة البتولية -وهذه الأم كانت تنظر الى آلام ابنها الالهي- كانت تتأمل بها، كانت تدخل قلبها كالسيف الذي كلمها عنه سمعان لما قدمته وهو ابن الأربعين يوماً الى الهيكل فحَمَله الشيخ الصدّيق على ذراعيه -كانت الأم شاخصة الى ابن حملته في أحشائها بحلول الروح الالهي عليها بعد أن أكدت أنها أَمَة للرب طالبة أن تتمم ارادته وارادته وحدها في حياتها.
هذه هي الأم التي، اذا ما التفتنا اليها، نرى النموذج الحي الذي نود تكريمه في عيد الأم.
انها الأم التي قبلت أن تكون ارادة الله قبل ارادتها وهذا ما نراه في الأم البشرية التي تنسى نفسها لكي تفكر بمن سلمتهم العناية الالهية لها.
انها الأم البتول التي تدخل مسيرة الخلاص دون أن تتردد، مهما كلفتها من تضحيات وها الأم البشرية تغامر لكي تتقدس هي وأهل بيتها بتقديس الهي ينسكب عليها.
انها أم “ربنا” التي تأتي بسرعة الى نسيبتها لكي تفرح معها، فتحرك الجنين في بطن أليصابات في حركة (سجود) تجاه الرب المحمول من أمه، وها الأم البشرية التي تسرع لتفرح مع الفرحين وتشارك الحزانى آلامهم فتنقل لمن حولها التأكيد بأن الرب يفتقد شعبه دائماً.
انها الأم التي تحفظ كل الامور بصمت في قلبها وفي حين تحقيق الخلاص تقف عند أقدام الصليب وتلتمس من ابنها المصلوب الاّ يتركها لوحدها والأم البشرية مدعوة ان تحمل بصمت في قلبها كل ما تسمعه وتراه وان تذكر عائلتها ومن حولها دائماً بأن الخلاص ثُبِّت على الارض بواسطة الصليب وان الغلبة /لابد/ انها حاصلة بقوة القيامة.
هاهي الأم التي نعايدها ونحن ننشد: “لصيبك يا سيدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد” -نسجد معك يا أمنا البشرية لصليب ابن الهي لأم مثلك -بتول- وهذا الصليب انت مدعوة ان تحملينه وتضميه الى صليب ابن العذراء فيتحد به ويتلألأ آنذاك بأنوار القيامة واكليلها الذي لا يذبل أبداً.
هذا ما ندعو لكِ يا أمّنا البشرية -فنضرع الى الله- في يوم عيدك ان يعطيك بكل نعمة تأتيك من فوق فتقويك كما نرجو ان تشملينا جميعا بادعيتك الحارة لان صلاة الأم تقتدر كثيرا على استعطاف السيد فالى أعوام عديدة ، قواك الله بشفاعات امنا وامك العذراء الكلية القداسة بتضرعاتها الحارة الى ابنها الالهي الذي له الكرامة والسجودالى الابد. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+ بولس
العدد 12 – في 22 آذار 1998
الأحد الثالث من الصوم
أحد السجود للصليب