“معاً نتصدّى للمخدرات”!
لين رفقة – مركز اللاذقية
نظمت الأمانة العامة لحركة الشبيبة الأرثوذكسية بالتعاون مع منظمة “سيناكل دو لا لوميار” (CDLL) للتعافي من الإدمان ملتقًى شبابياً حمل عنوان “معاً نتصدّى للمخدرات”، بهدف التوعية على أخطارها والتصدي لها.
ضمّ الملتقى مجموعة من الشباب من مختلف المناطق السوريّة ومن لبنان، نظراً لاهتمام الحركة بنشر رسالة التوعية وانطلاقاً من دراسة احتياجات الشباب في المجتمع على جميع الأصعدة.
ويأتي الملتقى الذي عقد في مخيم نجيب نعمة، في منطقة بساتين العصي – دوما، في لبنان، كمحاولة للتصدي لانتشار ظاهرة المخدرات بشكل ملحوظ بين الشباب والتسويق والترويج لها من قبل المستفيدين بشكل يغزو العقول ويغري الفئات العمرية الصغيرة.
ومن أبرز المحفزات لتنظيم الملتقى الذي عقد أيّام 4 – 8 أيلول الجاري، هو عدم وجود مراكز كافية للمعالجة في لبنان، وقد تكون شبه معدومة في سوريا، وتزويد المشاركين بمعلومات صحيحة تمكنهم من نشر التوعية والوقاية ضمن محيطهم.
خلال خمسة أيام من التدريب المكثف، قدمت باتريسيا أبي عاد، الناشطة الاجتماعية الحاصلة على دبلوم بالعمل الاجتماعي وباحثة الماجستير في الإرشاد النفسي، برنامج توعية مدروس لتزويد المشتركين بالمعلومات المتعلقة بالمخدرات، التعاطي والإدمان، وإمكانية التواصل بطريقة مفيدة ومهنية مع الشخص المتعاطي بهدف تحويله للمراكز المختصة بالعلاج.
وشددت أبي عاد على خطأ بعض الأفكار السائدة وتصحيح العديد من المعلومات المغلوطة المنتشرة بين الشباب حول المواد المخدرة، مشيرةً إلى أن اختلاف وسيلة التعاطي لا يحدد خطورة الإدمان.
ولم يغفل البرنامج عن إعطاء المشاركين نظرة تمييزية بين الشخص المتعاطي والشخص المدمن مصنفاً التعاطي كمرحلة خطرة جداً لا تقل خطورة عن مرحلة الإدمان، إذ بكلا الحالتين يكون الشخص قابل للعلاج أو بوارد أن يبقى في حالته سواء التعاطي أو الإدمان وكل منهما معرض للسجن أو الموت إلا أن مرحلة التعاطي تتسم بالخطر الزائد لأن الشخص المتعاطي يكون بمرحلة أولية تسبق الإدمان تشعره باللذة فيعمل على نشر هذه الظاهرة بين الجماعة بشكل يحمل على الإقناع أكثر وعلى نطاق أوسع.
وأكد القائمون على الملتقى على أن الإنسان الطبيعي يمر بمراحل قبل وصوله للإدمان، لكن بإجماع كل الخبرات؛ من غير الممكن تحديد المرحلة الفاصلة التي يتدهور بها الإنسان وينتقل من مرحلة التعاطي إلى مرحلة الإدمان وهنا تكمن الخطورة إذ أن التعاطي يكون بقرار نابع عن الإنسان أما في مرحلة الإدمان تغيب إرادة الفرد وتنتفي قدرته على اتخاذ القرار حيث يصبح الجسد آلة طيعة للمادة المخدرة التي تقرر عنه جميع تصرفاته.
وتتلخص تلك المراحل؛ بمرحلة الاستعمال، تليها مرحلة سوء الاستعمال، فالتعاطي، ثم الإدمان.
تخص المرحلتان الأولى والثانية المواد المسموحة للاستعمال؛ كالأدوية والكحول، وهو من أخطر أنواع الإدمان لانتشاره وسهولة الحصول عليه من قبل فئات عمرية صغيرة وبأسعار زهيدة.
وركز الملتقى على التغيرات التي تطرأ على مظهر المدمنين وشخصيّتهم، وتغير عاداته الشخصية والسلوكية، وما يرافقها من تغييرات تطرأ على دراسته أو عمله.
وسلط الملتقى الضوء على دوافع اللجوء للمخدرات؛ وأبرزها حب التجربة، والبحث عن الراحة والشعور بالتحسن، والحصول على أداء أفضل سواء من الناحية الجسدية أو العقلية أو الجنسية، والرغبة في الاندماج مع الآخرين وتعزيز الانتماء لمجموعة ما.
أما عوامل الخطر والوقاية فتتمثل بالنموذج الآيكولوجي، فكلما كانت عوامل الخطر أكبر كلما كان الشخص معرض أكثر للإدمان، وكلما كانت عوامل الوقاية أكبر كان الإنسان محصن بشكل أكبر لتفادي الوقوع في دوامة المخدرات، حيث أن عوامل الوقاية تعتبر بمثابة وسائل صحيحة وسليمة تحصن الإنسان و تدعمه لتخطي هذا الخطر.
وتقوم هذه العوامل على ثلاثة أصعدة؛ وهي الصعيد الشخصي، وصعيد العلاقات بين الأشخاص ويضم العائلة و الأقران والمدرسة، والصعيد الاجتماعي-السياسي ويضم المجتمع والسياسات العامة.
وأشار الملتقى إلى ضرورة تحصين الفرد بوسائل وقاية لمنع انجراره خلف المخدرات ليشبع نقص حاجاته، وتوجيهه لإشباع حاجاته بوسائل صحيحة. وهذا ما يفسر التساؤل لماذا يلجأ أشخاص عند تعرضهم لعوامل خطر إلى استخدام المخدرات في حين أن هناك أشخاص آخرين لا يلجؤون إلى ذلك؟ هنا يكمن مدى كون الشخص مستعد للانجرار خلف المخدر أم لا. حيث أنه كلما كان الشخص محصن بوسائل وقاية كانت إمكانية انجراره خلف المخدرات أقل.
وبذلك تعتمد الوقاية على تحصين الفرد بمهارات ووسائل تساعده على حل المشكلات التي تواجهه بطريقة سليمة. أما التوعية فهي تعتمد على إعطاء الشخص معلومة صحيحة ونظرة واعية لمشكلة الإدمان.
وقدم برنامج الملتقى وسائل عملية حول كيفية التعامل مع شخص في خطر التعاطي، وضرورة عدم النظر إليه كمجرم، مع الانتباه الكبير على عدم الدخول معه بدوامة العاطفة وكونه ضحية. بل هو شخص مسؤول عما أصابه ومن المفترض عليه أن يتحمل مسؤولية قراره بالتعاطي. مركزين كل اهتمامنا على اللحظة الراهنة التي وصل إليها برغبته بالمعالجة غير لائمين له أو حاكمين على طريقة تعامله مع الظروف التي أحاطت به فنبدأ بتشجيعه ودعمه وشد عزمه للمضي باتخاذ قراره بالتوقف عن تعاطي المخدرات.
ونظم القائمون على الملتقى زيارة ميدانية إلى مركز التأهيل (CDLL) للتعرف عن قرب إلى أشخاص اتخذوا قراراً للمضي قدماً في رحلة العلاج الطويلة. وآخرين تعرضوا لانتكاسة بعد التعافي إلا أنهم لم يعتبروا ذلك فشل بل مرحلة ضمن العلاج فعادوا من جديد متحدين الفشل ومتلقين كل الدعم من المركز.
وأعطى أحد المقيمين خبرة حياة متحدثاُ عن تجربته الشخصية منذ تعاطيه المادة المخدرة وحتى إدمانه وقربه من الموت إلى لحظة اتخاذه القرار لدخول مركز المعالجة ورحلة تعافيه التي اتسمت بالإرادة القوية فكللت بالنجاح والتحضير لمرحلة اندماجه بالمجتمع كشخص متعافٍ.
وقال المقيم إنه تلقى الدعم في المركز لتكوين شخصية مسؤولة قادرة على مواجهة مشكلاتها بطريقة صحيحة؛ شخصية تتمتع بالثقة بالنفس والوعي الكامل لكيفية التعامل مع رغباته وكيفية التعبير عن مشاعره بشكل سليم.
وأضاف إنه على استعداد تام ليبدأ رحلة التأهيل الخارجي متسلحاً بقوته وبكل ما تعلمه ضمن هذه الرحلة العلاجية. فنمط معيشته في الخارج سيكون ذو نتيجة ايجابية لكل ما اكتسبه و تعلمه في رحلة تأهيله الداخلية ضمن المركز.
وبذلك حقق الملتقى غايته المرجوة بالتعريف عن المشكلة بشكل صحيح ممكنة مشاركيها من جميع الوسائل التي تساعد على نشر التوعية الصحيحة بين أقرانهم واستخدام الطريقة المثلى للتعامل مع الشخص المتعاطي وتوجيهه لإتباع مركز مختص بالمعالجة.
ومن المقرر أن تنظم الأمانة العامة لحركة الشبيبة الأرثوذكسية ملتقًى ثانٍ مع جمعية “CDLL”، بهدف تعزيز قدراتهم بوسائل تعليمية جديدة ليصبحوا هم أيضاً ناشطين في مناطقهم بمجال الوقاية.
يذكر إن جمعية “سيناكل دو لا لوميار” (CDLL) هي منظمة لبنانية غير حكومية غير ربحية تأسست منذ 2006 لتسلط الضوء على مشاكل إدمان المخدرات والكحول التي تستحوذ على حياة أفراد كثيرين. مؤمنةً الدعم الضروري لهم ولعائلاتهم وفق برامج تعافي متعددة ومتنوعة. هدفها التوعية وتعليم المجتمع ككل والوصول إلى عالم أفضل خال من المخدرات.