أيقونة العنصرة المقدّسة

mjoa Saturday May 30, 2009 634

pentecost09تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد عظيم من أعز أعيادها وهو عيد العنصرة أو عيد حلول الروح القدس.
عشرة أيام كاملة هي مابين الصعود والعنصرة لم يبرح التلاميذ أورشليم تنفيذاً لوصية ربنا يسوع المسيح حينما قال لهم “و ها أنا أرسل لكم ما وعد به أبي فاقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي” (لو 24 : 49).
“ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة فصار بغتة من السماء صوت ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا” ( أع 2 : 1 ـ4) .
يصف لنا لوقا الإنجيلي في اعمال الرسل حلول الروح القدس على جماعة التلاميذ مع مريم العذراء وهم مجتمعون في العلية. وتذكرنا الريح والنار والعلية وكل ما حدث بصورة جبل سيناء عند استلام موسى للوصايا وإقامة “العهد” مع الشعب في البرية. إنه الروح القدس ينزل الآن ليعطي العهد الجديد للتلاميذ ويحوّلهم من “جماعة” إلى “كنيسة”تقارن أيقونة العنصرة نصوص الكتاب المقدس كلها، وتتبع الليتورجيا، وترسم نظرة شاملة تتخطى نبذةً تاريخيةً تعرض حادثاً ما.



.

 

 

1. الأشعة تشير الى عدد
الرسل الإثني عشر
2. السنة النار تستقرّ على
رأس بطرس الرسول

إن مشهد العنصرة على مسرح مرتفع، عليّة مفتوحة في أعلاها كأنها مجذوبة نحو السماء، نحو الينبوع الأبوي، مصدر الألسنة النارية والقدرة الثالوثية.
نرى في العلية بولس ومرقس ولوقا، إن لوجودهم بلاغة الرمز، لأنه يوسع مجمع الرسل حاوياً كل جسم الكنيسة. العذراء لا تظهر في هذه الأيقونة لأن مجمع الرسل هنا هو يمثل الكنيسة وقد تقبلوا المواهب بشكل السنة نارية استقرت على كل واحد وكل رسول شخصياً.

الأيقونة تعرض الرسل الإثني عشر الكمال السري الذي حل محل أسباط إسرائيل الإثني عشر. إنهم ينتظرون “أن يلبَسوا قوة من العلاء”.
يجلس الرسل على مقعد مقوس، الجميع على مستوىً واحد وبحجم واحد. انهم متساوون بالكرامة. المسيح في هذه الأيقونة حاضر وغير منظور، وهو الذي يقود الكنيسة ويسوسها بالروح القدس.
إن الروح القدس يهب كل شيء، يفيض النبوة يكمل الكهنوت وقد علم الأميين الحكمة وأظهر الصيادين متكلمين باللاهوت.

 

4 .  القديس بولس الرسول،
لم يكن موجوداً يوم العنصرة،
نراه بين التلاميذ الإثني عشر ايضاً.
5. القديس مرقس الإنجيلي،
الذي لم يكن موجوداً في
ذلك اليوم نراه  ايضاً.
6.   والقديس لوقا الإنجيلي،
الذي لم يكن موجوداً في ذلك اليوم
نراه  ايضاً.

الأرض مفتوحة أسفلاً كقوسٍ مظلمٍ حيث ينتظر سجين بثياب ملك، انه العالم المشبع من الأيام منذ سقطة آدم. إنه جالس في الظلمة وظلال الموت أسيراً. يبسط الشيخ يديه ليتقبل هو أيضاً النعمة، اللفائف الإثني عشر هي كرازة الرسل وهي مهمة الكنيسة الرسولية والوعد بالخلاص.

7. يعبّر الشيخ بيديه المبسوطتين
عن الرجاء الكامن في العالم
على الرغم من اليأس الجهنمي.
8.  لا يقع الإنسان مطلقاً في اليأس
والقنوط والله  لن ييأس منه.
إن اليد المبسوطة للمسيح لن تبقى فارغة.

 

ها هم الرسل متحلقون في علية أورشليم كما أمرهم الرب الصاعد إلى السماء “وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم ألاّ يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب” (أعمال 4:1). إنهم الرسل الذين اختارهم الرب بعد ليلة صلاة (لوقا 12:6)، والذين طالما عانى في تنميتهم روحيّاً وصبر على ثقل أذهانهم وبطء إدراكهم وصعوبة انتفاحهم لسر الخلاص! أما العلية فهي نفسها التي اجتمعوا فيها مع سيدهم ليأكلوا الفصح أي ذكرى خروج أسباط اسرائيل الإثني عشر من مصر بقيادة موسى النبي. إنها “علية كبيرة مفروشة” كما يصفها لوقا (12:22) وهي إطار الحادثة، مبنى ذو نوافذ وكأني به يزين الأيقونة ولكن الحادثة لا تتحقق في داخله، فهو لا يحويها، فمجموعة الرسل تبرز خارج الزمان والمكان.

المركز الرئيسي شاغر في هذه الأيقونة. في بعض الأيقونات نجد الأنجيل يترأس المحفل وفي البعض الآخر تبرز والدة الإله لأنها كانت تجتمع دوماً مع الرسل وتواظب معهم على الصلوات (أعمال 14:1). لماذا هي غائبة في هذه الأيقونة؟ الأرجح هو أن مريم أخذت حصتها كاملة من الروح القدس يوم بشارتها: “الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك”. إذ حصلت عنصرتها يومذاك فلا داعي لاعتماد ثانٍ بالروح القدس.

والآن من هم الرسل الجالسون على أريكة بشكل نصف قوس؟ لائحة الرسل الواردة في أعمال13:1 هي التالية: بطرس – يوحنا – يعقوب – اندراوس – فييلبس وتوما ثم برتلماوس- متى – يعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا المدعو تداوس.

إذا تمعنّا بالأيقونة وقارناها مع سائر الأيقونات الموجودة في سيناء واليونان ويوغسلافيا وبلغاريا لاكتشاف هوية الرسل ووجوههم نلاحظ أن اللائحة هي التالية في الأيقونة:

فئة اليمين: بولس – يوحنا – لوقا – اندراوس – برتلماوس – فيليبس.

فئة اليسار: بطرس – متى – مرقس – يعقوب- سمعان – توما.

وهذه اللائحة نجدها في جميع أيقونسطاسات الكنائس بهذا الترتيب غالباً. فهناك ثلاثة أشخاص أضيفوا إلى اللائحة الواردة في كتاب الأعمال وهم: بولس ولوقا ومرقس وهم كما نعلم لم يحسبوا من عداد الرسل الإثني عشر، ولم يعاينوا السيد خلال وجوده على الأرض، ولكنّ أهميتهم في الكنيسة جعلت وجودهم في مجموعة الرسل ضرورياً، مما يدل على أن راسم الأيقونة ليس مصوّراً فحسب ولكنه لاهوتي أيضاً: إنه يفهم الرسول بمعناه الواسع المنفتح الشامل كل عصر ولا يحصره في مكان وزمان. فبولس هو رسول الأمم المميزولوقا ومرقس انجيليان وكاتبان ماهران لهما الأهمية الكافية ليدخلا في مصاف الرسل. فبولس حلّ مكان ماتياس الذي انتخب مكان يهوذا الاسخريوطي.

والآن من هم الرسولان اللذان استبدلهما الرسام بلوقا ومرقس؟ لقد حذف يعقوب بن حلفى على أساس أنه أقل أهمية من اليعقوب الآخر ابن زبدى وأخي يوحنا، ويهوذا الملقب بتداوس وهو شخصية منزوية بالنسبة للآخرين.

 

لنلق الضوء على الرسل

فئة اليمين

بولس: يتصدر الحلقة، يحمل كتاباً هو كتاب رسائله، وجهه التاريخي معروف وهو نفسه في الأيقونات جميعها: لحية مقرنة ورأس أخذ الصلع شيئاً منه.

يوحنا: إته الإنجيلي وهو بدون لحية لأنه كان أصغرهم سناًَ على الأرجح مما يفسر حضن السيد له، ووضع رأسه على كتف يسوع يوم العشاء السري. وهو كاتب ثلاث رسائل وكتاب الرؤيا ما بين 90-100م.

لوقا: إته تلميذ بولس وكاتب الإنجيل وأعمال الرسل وكان طبيباً من أصل يوناني ورساماً أيضاً. يقال إنه أول من رسم أيقونة والدة الإله.

اندراوس: إنه أخو بطرس وجهه في كل الأيقونات كما هو هنا، شعر مائل للشقار ومجعد. يقال إنه استشهد وصلب بشكل صليب مقلوب.

برتلماوس: لا يظهر الوجه كاملاً ولكن الأرجح أنه برتلماوس لأنه غالباً موجود بقرب اندراوس فوق الأبواب الملوكية.

فيليبس: وهو عادة في الأيقونات بدون لحية نظراً لسنه وهو القائل: “أرنا الآب وكفانا” (يوحنا 8:14) فأجابه يسوع: “من رآني رأى الآب”. وهو من بيت صيدا من الجليل مثل اندراوس وبطرس.

فئة اليسار

بطرس: يتصدر الاجتماع مع بولس، إنه الأول في كل لوائح الرسل يحمل ملفاً لا كتاباً لأنه لم يكتب إلا رسالتين.

متى: هو كاتب الإنجيل واسمه الثاني لاوي (متى 9:9). وكان جابياً للضرائب، أي عشاراً يجمع العشور في كفرناحوم ولما دعاه يسوع لكي يصيرمن أتباعه أقام للمعلم مأدبة فاخرة. كتب الإنجيل بالآرامية ويقال إنه بشّر بلاد العرب حتى بلغ الحبشة.

مرقس: كان تلميذاً لبطرس ومنه استقى جميع معلوماته عن يسوع. تدل الدراسات أنه كتب إنجيله في اليونانية ما بين سنة 64-67م.

يعقوب: إنه أخو يوحنا وقد دعاه السيد هو ويوحنا “بوانرجس” أي ابني الرعد وهما ابنا زبدى الصياد وكان ثرياً في الجليل، وهو الذي اصطحب السيد يوم التجلي مع بطرس ويوحنا، صورته واضحة في أيقونات التجلي. يقال إنه استشهد في أيام هيرودس سنة 44م.

سمعان: ويسمى سمعان الغيور أو القانوني.

توما: إنه بدون لحية كما يظهر في الأيقونة التي يضع إصبعه في جنب السيد والتي تسمى “شك توما الرسول”. ينسب إليه إنجيل يعتبر منحولاً. وورد ذكره في إنجيل يوحنا (16:11و5:14و19:20-29). ويقال إنه بشّر حتى حدود الهند.

من هو الرجل المتوج في أسفل الأيقونة؟

لتصميم رسمها، أيقونة العنصرة تندرج في فئة مواضيع الاجتماعات، كصور اجتماعات المجامع المسكونية مثلاً التي تتخذ النموذج نفسه. في كتاب “نهاية العصور القديمة والمتوسطة” للكاتب غرابار GRABAR يوضح المؤلف في موضوع رسم العنصرة، أن أقدم نسخة تعود إلى ما قبل القرن التاسع شرقاً وغرباً وأن في هذه النسخة تظهر الشعوب تحت القوس الذي يمثل صف التلاميذ، وأحياناً تظهر فئتان من الأشخاص في زاويتي الأيقونة السفليتين وأما الوسط فيبدو فارغاً. ومع الزمن ازدادت القيمة التعبيرية للصورة وخفت الظاهرة الواقعية فاستبدلت الشعوب بشخص واحد متوّج وكأنه ملك يمثلها جميعاً. والهدف واحد وهو إيصال كلمة الإنجيل وهبات الروح إلى العالم بأسره.

فهذا الرجل المتوّج إذاً، المحصور في قنطرة مظلمة، المرتدي بدلة قرمزية مذهبة، يمثل المسكونة المنتظرة عطاء الروح. إنه محبوس في هذا الكهف القاتم، لأنه لم يضأ بعد بنور المسيح، ولم ينسكب بعد عليه الروح القدس بواسطة الأسرار المقدسة. إنه شيخ يحمل على كتفيه خطيئة الإنسانية منذ السقطة، أسير لرئيس العالم الذي ليس هو إلاّ إبليس! إنه واقف في “ظلال الموت” ينتظر الخلاص. مصوّر الأيقونة أراده في تواضع وسكون، لم يمثله ثائراً متمرداً. إنه باسط يديه وماسك طرفي قماشة تحمل اثنتي عشرة مخطوطة بشكل ملفات، يحملها بكل احترام. وهنا تبرز كلمات السيد “ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى” (متى 14:24) فقبل زوال العالم إذاً ينبغي أن تبشر المسكونة كلها بالإنجيل.

إلى ماذا ترمز تلك القماشة التي يحملها هذا الملك؟ ربما ذكرتنا برؤية بطرس الرسول (أعمال 9:10-17). وقع بطرس في غيبوبة، وكان جائعاً، فرأى السماء مفتوحة، وإذا بغطاء من قماش بالشكل الذي نراه في الرسم مربوط بأطرافه الأربعة، يهبط من السماء أمامه وعليه كل دواب الأرض وزحافاتها، وطيور السماء ومجنحاتها. وإذا به يسمع صوتاً يأمره: “قم يا بطرس اذبح وكل!”. فأجاب بطرس: “كلا، يا رب لأني لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً”. فانتهره الصوت ثانية: “ما طهره الله لا تدنسه أنت!”. هذا المقطع يبرهن لنا أن بطرس بصفته رسولاً، مدعو لكي يتخطى اليهودية والطهارة والشرعية المحدودة، لكي ينفتح إلى الأمم. بالإيمان فقط يستطيع الله أن يطهر قلوب الأمم. إنها دعوة لبطرس لكسر ملزمة اليهودية والإنطلاق نحو المسكونة بأسرها “أفيض من روحي على كل البشر …” يقول الرب بلسان يوئيل النبي.

بكلمة، الأيقونة تمثل منظرين معاكسين: الأرض الجديدة التي تمثل الكون المثالي المشتعل بالنار الإلهية، والملك الشيخ المحبوس في ظلمته، وإن تحلّى بمجد هذا العالم، فإنه يطمح إلى النور الذي فوقه ويتوق إلى المطر المنهمر من السماء بألسنة نارية، غيث محي، منير، مفيض للنعم، مؤله في النهاية

طروبارية العنصرة
مبارك انت ايها المسيح الهنا يا من أظهرت الصيادين الغزيري الحكمة اذ سكبت عليهم الروح القدس وبهم اصطدت المسكونة يا محب البشر المجد لك.



0 Shares
0 Shares
Tweet
Share