الخطيئة هي أن يعتقد الإنسان أنّ له شيئًا غير الذي لله. يريد أن يأخذ كلّ الدنيا، أن يبتلع الدنيا، أن يشتهيها كلّها، أن يحوّل العالم إلى ذاته، إلى ملذّاته. يريد أن يبتعد، أن يضلّ. لا أحد يضلّ إلاّ إذا أراد ذلك. بذّر ماله أي بدّد نفسه. بذّر ماله عائشًا في الخلاعة لأنّه ظنّ أنّها تغذّيه، أنّها تحييه، أنّها تُنعشه.
فلمّا جاع وهو بعيد حنّ إلى الرجوع. عرف نفسه ابنًا عند الجوع، أحبّ أن يعود. عودته لها شرط كبير هو أن يعترف بأنّه أخطأ، الاعتراف بنفسك داخليًّا بأنّك صرتَ لا شيء، وبأنّك صرت قذرًا. أكثر الناس لا يعترفون، يقولون للكاهن إنّهم لم يرتكبوا شيئًا. أغلب الناس يرتكبون الخطيئة، إن لم يكن فعليًّا، فعلى الأقلّ في الفكر. اشتهيتَ هذه الدنيا واشتهيتَ شهواتها أي أن تبقى فيها. قلّة من الناس يعتبرون أنّهم أخطأوا بالعمق، انحرفوا، ابتعدوا عن وجه الله، كرهوا الله. كلّ خاطئ يكره الله، اعترف أو لم يعترف. لا يريد الله.
أعطى يسوع صورة الابن الضالّ الذي يعيش مع الخنازير. هي عبارة لأنّ الخنزير كان حيوانًا نجسًا في العهد القديم. المعنى أنّ هذا الإنسان أراد الانحطاط، قَبِل. الخاطئ هو مَن يقبل انحطاط نفسه.
فالانحطاط حزن. قال الابن: أعود إلى أبي، أخطأت. من أصعب الأشياء في الحياة أن يعترف الإنسان بأنّه أخطأ. الكلّ يتعلّل بعلل الخطايا. لا يتوب الإنسان إلاّ إذا أقرّ في داخل نفسه بأنّه لطّخ نفسه. ما لم تصل إلى هذه القناعة بأنّك وسّخت نفسك فأنت غير تائب، غير عائد إلى الله. الإقرار، الاعتراف هو البدء.
كان يعرف نفسه ابنًا لكنّه قال لأبيه: «لستُ مستحقًّا أن أدعى لك ابنًا فاجعلني كأحد أجرائك»، كأحد خدّامك. كان أبوه على سطح البيت منتظرًا إيّاه. يأتي اليوم، يأتي في الغد، كلّ الوقت ينتظره. الله هو الذي يحبّنا، نحن لا نحبّه. الله هو المحبّ الأوّل. وإذا أحسسنا بمحبّته نعود، ونكتشف أنفسنا شيئًا جديدًا.
قام وعاد، رآه أبوه من بعيد. عندما رآه تحنّن عليه. الابن فاسق ومع ذلك تحنّن عليه أبوه. وأبوه هو الذي ألقى بنفسه على عنقه وقبّله. الأب يعرف أنّ الابن غير صالح لكن لم يقدرّ إلاّ على أن يحبّه، لم يقدر إلاّ على أن يعانقه، لأنّ أبوّته كانت أعظم من رؤيته أنّ ابنه صار فاسقًا. لم يقدر على أن يتصوّره هكذا. غضّ النظر عن ضلال ابنه. شعر بالأبوّة وقال: ارجع.
«ألقى بنفسه على عنقه وقبّله». يقبّل فاسقًا ويعرف أنّه فاسق. عندئذ لمّا أحسّ الابن بأنّه محبوب قال: «يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك، ولستُ مستحقًّا بعد أن أُدعى لك ابنًا». كان الأب يقدر على أن يطرد ابنه، لكنّه لم يفعل بل قال لعبيده: «هاتوا الحلّة الأولى»، أجمل ما عندنا من ثياب، «وألبسوه واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه». عاد الضالّ وأحسّ أنّه ابن عندما قال له أبوه أنت ابني. رأى محبّة أبيه، عندئذ تحرّك بالحبّ أيضًا.
كلّ منّا بحاجة إلى أن يعود. إذا ظنّ أحدنا أنّه موجود في حضن الله يكون مخطئًا. ما من عودة أبدًا إلاّ إذا أحسّ الخاطئ بأنّه خاطئ. «ارحمني يا ربّ أنا الخاطئ»، هذا هو الكلام الوحيد الذي نقدر على أن نقوله لله. «ارحمني يا ربّ» اجعلني ضمن رحمتك. الرحمة تعني الوسع. ادخلني بوسعك، بالسعة التي فيك. اعتبر أنّ لي مكانة عندك في هذه السعة حتّى أحسّ بوجودي.
فليحسّ كلّ منّا أنّه في حاجة إلى أن يعود. ما من أحد طاهر وبارّ إلاّ إذا عرف نفسه خاطئًا. ما من طهارة إلاّ بالعودة. نبدأ باعتبار أنفسنا خطأة ونطلب إلى الله أن يغسلنا. الله وحده قادر على أن يغسلنا بحبّه، برأفته، بحنانه. يسوع وحده يقدر على أن يضمّنا إلى صدره.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
4 شباط 2018