أحد الابن الشاطر
كلّنا ابن شاطر. هذا ما تريد الكنيسة أن يرسخ في عقولنا في هذا الأحد المسمّى “الابن الشاطر”. لاحظوا! إنّه “ابن” شاطر. هذا توًّا يجب أن ينبّهنا إلى أنّ الكنيسة لا تريد، من هذا المثل (لوقا ١٥: ١١- ٣٢)، أن تدعو البعيدين من خارج إلى التوبة (ربّما هذا يوافق استطرادًا)، بل أن تدعو الأبناء، من كبيرهم إلى صغيرهم، إلى أن يزيدوا في القربى، أي في الوعي أنّهم أولاد الله أبيهم جميعًا.
كيف ينشطر الابن الموجود؟
وفق القراءة الإنجيليّة، في شكلين. في شعوره أنّ بيت الآب سجن. وفي استكباره على الإخوة، الإخوة الذي يراهم يخطئون (كما في موقف الابن الأكبر). أجل، الكنيسة، في هذا الأحد، لا تريد أن تعرّي الخطأ فقط، بل أيضًا الشعور بالبرارة الذي يُرينا أنفسنا أحلى، في عيني أنفسنا (أو عيني الله!)، من كلّ الوجود. هذا خطر يماثل الخطايا المألوفة، بل يفوقها جنونًا.
لا أظنّ بل أجزم بأنّ هذا الصوم المقبل وُجد، إذًا، من أجل أن نزداد (قلت: نحن الأبناء) حرّيّةً في البنوّة أو في الحبّ، حبّ الله والإخوة الذين يشطرون أنفسهم عنه (أو أن نتوب، إن ابتعدنا قليلاً أو كثيرًا)، أي أن نزداد في رؤية أنفسنا فقراء إلى هذا الحبّ الذي يتجلّى، بسطوع عجيب، في الله، الله وحده (كما في المثل الإنجيليّ).
السؤال، الذي يقابل السؤال المطروح: “كيف ينشطر الابن الموجود”، هو: كيف نتوب نحن عن انشطارنا؟ سبق الجواب عن هذا السؤال، أي نتوب في تجديد الوعي أنّ الله يحبّنا. ما من جواب آخر في هذا الأحد، بل في ترتيب الصوم تهيئةً وممارسة، بل في التراث الكنسيّ كلّه.
هذا علمُنا، إن كنّا نحبّ أن نتعلّم. الكنيسة لا تستعرض أمامنا حكايات، لنستقبح منها تصرّف هذا ونستلذّ تصرّف ذاك (ممّن نراهم في المثل). ما تريده أعظم. تريدنا أن نكره الخطايا النافرة فينا، وأن نحبّ ما يبدو في الله. لنذكر أنّنا أبناء. أليس شأن الابن أن يتمثّل بأبيه؟ لاحظوا أيضًا! الابن الأصغر، عندما انشطر عن بيت أبيه، ذهب بعيدًا. الابن الأكبر، عندما اعترض على قبوله أنّ أباه أعاد أخاه إلى البيت، أطلق اعتراضه في خارج البيت (يقول المثل بتشديد مقصود: “رفض أن يدخل”). الذين لا يريدون أن يتشبّهوا بالله ليس لهم مكان في البيت، وإن بدوا جالسين في صدارته. البيت للذين يحبّون هذا التشبُّه بالله الفريد في الحبّ، “الحبّ الجنونيّ”.
كان هذا الأحد من أجل أن نجدّد أحرارًا أنّنا أبناء لإله لا معنى لوجودنا إن لم نتبعه في حبّه العظيم لنا.
الأب ايليا متري