أين الفقير؟ أين الجائع؟ – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Saturday February 10, 2018 1065

فيما نحن مقبلون إلى الصوم أرادت الكنيسة أن نعرف معنى الصوم. نستطيع أن نتقصّاه من وثيقة مسيحيّة من القرن الثاني، كتبها مدافع عن الإيمان للإمبراطور الرومانيّ قال فيها: «إنّ هؤلاء المسيحيّين الذين تضطهدهم خير الناس في مملكتك، لأنّهم مع كونهم فقراء يحرمون أنفسهم من الطعام ليعطوا ما وفّروه للمحتاجين».

الصيام غايته المحبّة، أن نعطي، أن نتحسّس. ولذا قرأت الكنيسة اليوم علينا إنجيل الدينونة. الله يسأل فقط سؤالاً واحدًا: «كنت جائعًا فأطعمتموني، عريانًا فكسوتموني… فقالوا له: متى رأيناك جائعًا؟». أنتَ لم تأتِ إلى الأرض بعد أن تغيّبت عنها بالقيامة والصعود، نحن لم نَرك؟ قال لهم: «إنّ ما فعلتموه لأحد هؤلاء الصغار فبي فعلتموه، فإذا أطعمتم جائعًا فقد أطعمتموني، وإن كسوتم عراة فقد كسوتموني». أنتم عندما أطعمتم الفقير لم تفكّروا بالمسيح وما قلتم إنّ المسيح قد أمرنا بذلك، ولكنّكم بمجرّد إعطائكم مالكم للفقير والتفاتكم إلى كلّ الناس فقد أعطيتموني أنا والتفتّم إليّ إنا الذي قد وحدّت نفسي بالفقراء والمعوزين والمعذّبين في الأرض.

لذلك لم أطلب منكم أن تفتكروني بالصلاة فقط، ولم أسألكم إن اشتركتم في القدّاس الإلهيّ والصلوات، ولكنّي سألتكم إن ساعدتم الفقراء. طبعًا لا يبرّر العطاء الإنسان عن عدم ذهابه إلى الكنيسة. لكنّ الكنيسة لا تعني إلاّ الكنيسة المتحرّكة في الأرض، القائمة في الشوارع، كنيسة الفقراء والمرضى والمنسيّين والعراة والمضطهَدين. هناك هي كنيسة يسوع. ننطلق بالطبع إلى الصلاة ولكن ننطلق إلى غير الصلاة، نمتدّ. يسوع ممدود في الأرض، ممدود في الصحراء، قائم في بيتكم وحيث كنّا نحن إليه. إن كانت وجوهنا إليه في كلّ حين فنحن معه وإن كنّا ملتفتين إلى أنفسنا وشهواتنا فليس لنا مسيح في العالم.

هذا يعني، في ما يعني، أنّ المحتاجين ليسوا فقط هذا السائل الذي يطلب درهمًا هنا وهناك، والمحتاجون ليسوا فقط جارنا المريض، طبعًا جارنا المريض يجب أن نهتمّ به، ولكنّ القريب من كان أيضًا في غير قريتنا وفي غير بلدنا. ابحثوا عنه في وسائل الإعلام. الفقير الذي تحدّث عنه الإنجيل اليوم، في ما نحن نستعدّ للصيام، الإنسان الفقير هو أيضًا النازح والعاطل من العمل والذي لا يمكنه أن يقيت عائلته… هؤلاء الناس إذا تحسّسنا حاجاتهم كما هي وجلبناهم إلى المسيح، أي رسمنا وجه المسيح على وجوههم، مهما قالوا، كائنة ما كانت أفكارهم. هؤلاء إن قرأنا المسيح في وجوههم نكون قد نفّذنا إنجيل اليوم.

ليس همّي ما يقال من سياسة وغير سياسة، همّي أنّ الناس جائعون. فالمسيح جائع فيهم. همّي أن أفتّش عن الجائع، عن الفقير، عن الجاهل حتّى يتعلّم، عن المهمَل، عن المريض الذي لا يهتمّ أحد به.

لذلك علينا، في ما نحن نستهلّ الصيام الأرثوذكسيّ أن نبحث عن الفقير لنعرف كيف نمارس الصوم. الصوم ليس فقط بالإمساك، ولكن بالإمساك الممدود إلى العمل، إذ نتطهّر بالصوم لنكون مستعدّين لأيّ عمل فعليّ حقيقيّ نقوم به ليصبح العالم كلّه حولنا كنيسة الله.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

11 شباط 2018

91 Shares
91 Shares
Tweet
Share91