أن تصبح وجوهنا أيقونات – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Saturday February 24, 2018 679

يُعرف الأحد الأوّل من الصوم بأحد الأرثوذكسيّة لأنّ إكرام الأيقونات انتصر (السنة 843)، بعد أن شُنّت حرب عليها طيلة مئة عام، فشغلت العالم المسيحيّ الشرقيّ شغلاً كبيرًا. اضطُهد الأرثوذكسيّون اضطهادًا شديدًا وقُتلوا وشُرّدوا من أجل إكرامهم الأيقونات المقدّسة، حتّى اقتنعت في الأخير مملكة الروم أنّ عليها أن تحافظ على هذه العقيدة. فرُفعت الأيقونات في الكنائس كما نطوف بها اليوم مقرّين بإيماننا الأرثوذكسيّ.

لكن ماذا يعني لنا اليوم أن نكون أرثوذكسيّين؟ الكلمة، كما تعلمون تعني الإنسان المستقيم الرأي، الذي يؤمن إيمانًا سليمًا غير منحرف بما سلّمه المسيح دفعة واحدة للقدّيسين. هو الإنسان الذي يرى أنّ الآراء الحديثة لا علاقة لها بالإيمان وأنّها قد تكون مؤذية. الإيمان تواجهه عقائد عديدة باطلة تأتينا من خارج الكنيسة المقدّسة، وتأتي بشهوات الإنسان من شهوة المجد أو شهوة المال إلى ما هنالك.

الإنسان الأرثوذكسيّ لا يكتفي بأن يكون ذا عقيدة سليمة، ولكنّه يمجّد الله تمجيدًا قويمًا لأنّ العقيدة اذا لم تتحوّل إلى عبادة فهي اعتقاد غير نافع، والأصل في المؤمن أن يصبح عابدًا لربّه، يُسلّم النفس إليه بالطاعة، وإذذاك يتجلّى، يستنير ويصبح خليقة جديدة. ولهذا نستطيع أن نفتخر بأنّ لنا خلائق سبقونا وبأنّ الله قد نحت القدّيسين نحتًا وجعلهم صورًا حيّة له، نماذج طيّبة نقتدي بها. ولهذا قال الإنجيل اليوم عندما تعجّب أحد الرسل من أنّه يخرج من الناصرة نبيّ، أجابه رسول آخر: «تعال وانظر».

من المكان الفقير الحقير يمكن أن يظهر ابن الله. ولقد ظهر من هذا التراب الذي نحن لابسوه. من هذا اللحم وهذه العظام يمكن أن يبرز قدّيس، أي إنسان تطهّر لله، وانسكبت في قلبه نِعَم الله، وكأنّه إله جديد ظاهر في الكون. أما قال ربّنا تعالى: «أنتم آلهة وبني القدّوس تُدعَون». دعوتنا أن نصبح مثل الله ممتلئين من قداسته ومن نور عجيب. فقد قيل في نهاية إنجيل اليوم: «إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر».

الإيمان الأرثوذكسيّ الذي دُفع إلينا مرّة واحدة، ونحن عنده لا ننجرف إلى عقيدة أخرى. بهاء هذا الإيمان يعني في الدرجة الأولى أنّنا صرنا شبهاء لله، والسماء امتلأت وانسكب الله كلّه علينا نعمة وسلامًا. الإنسان الأرثوذكسيّ تحديدًا هو إنسان يؤمن بأنّ له مع الربّ صلة وبأنّ الله ليس فقط قوّة غريبة مستقرّة في سماوات لا ندركها. الله مُعطى ومسكوب وممدود إلينا وهو هنا في القلوب واللحم والعظام. ولهذا رمزنا إلى إيماننا بالأيقونات لأنّها تكشف لنا وجه المسيح، تقول لنا إنّ وجهه مطلّ علينا ليس فقط في صورة، ولكنّ ضوءه مرتسم على وجوهنا.

القضيّة لا تنتهي بأن نكرّم الأيقونات، القضيّة تبدأ في أن تصبح وجوهنا أيقونات لله، أي وجوهًا إذا نظر الإنسان إليها يرى الله مرسومًا عليها نعمة وضياء.

يجب أن يسطع نور الكنيسة المقدّسة في العالم الضالّ، ويجب أن «يضيء نوركم قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدّوا أباكم الذي في السماوات» (متّى 5: 16). ولهذا إذا صرنا جميعًا أيقونات متحرّكة يستطيع العالم أن يقرّ بأنّ الإيمان الأرثوذكسيّ هو الذي دفعَه إلينا الرسل لخلاص العالم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

25 شباط 2018

60 Shares
60 Shares
Tweet
Share60