الأحد الأول : أحد الأرثوذكسية .. أحد المستقيمي الرأي :
يوم الأحد الأوّل من صيام السّنة الـ 843، أعلنت كنيسة القسطنطينية والإمبراطورية انتصار الأرثوذكسية أي تكريم الأيقونات بعد أن شنّ ملك الروم حرباً على الأيقونات طالت حوالي مئة وعشرين سنة، وكان المجمع السابع المسكوني قد أعلن هذا التكريم عقيدة من عقائدنا.
وقد دلّت ممارستنا الطويلة للأيقونة منذ 1600 عام، أنّها مدرسة للتّقوى والتربية على أحداث الإنجيل وجعلتنا في إِلفَة مع القدّيسين وقد صاروا عشراءنا في بيوتنا والأسفار .
لماذا التّركيز على الأيقونة؟ لأنّها – حسب تعليم يوحنا الدمشقي – مبنيّة على كون الابن تجسّد وصار منظوراً . الأيقونة دفاع عن سرّ التجسّد ، فمن قَبِلها يكون قد أوجز بهذا قبوله بالمجامع المسكونيّة السّبعة . من هنا كان من الطبيعيّ أن نشمَل في هذه الذّكرى كلّ العقيدة وأن نقول لا أحد الأيقونات بل أحد الأرثوذكسيّة .
الأرثوذكسيّة كلمة يونانيّة تعني استقامة الرأي، أي استقامة العقيدة واستقامة التّمجيد. إيمانَك يجعل صلاتَك وعبادتَك مستقيمة، ًوحسن العبادة يقوّي فيك الإيمان . فإذا أقَمنا اليوم عيدَ ” انتصار الأرثوذكسيّة ” فنحن إنّما نُعلن تمسّكنا بكلّ العقيدة .
أحد الأرثوذكسيّة اليوم غيرُ منحصرٍ في تكريمنا الأيقونات. هو رمزُ تعلّقنا بالإيمان كلّه. هذا قد دفَعه الرّسل مرّة واحدة للقدّيسين فلا يزول حرفٌ منه. في هذه الأيام إن أظهرتَ تعلّقك بالإيمان كلّه يتّهمونك بالتعصّب. جوابُنا أنّ إيمانَنا ليس من العائلة أو القرية لنفرّط به. إنّه من الشهداء والآباء الذين اصطفاهم الرّوح القدس. فمن أجل هذا المعتقَد المستقيم الرّأي استشهدوا وهو الذي حفظهم من الخطيئة والخطأ .
كلمة الآب الذي لا يحاط قد تجسّد منكِ وصار محصوراً يا والدة الإله وأعادَ صورتَنا الفاسدة إلى حُسنها الأوّل وأتحَدها بالجمال الإلهيّ، لذلك نعترف بالخلاص ونخبر به ونذيع بالقول والفعل معاً .
إنّ الأنبياء قديماً قد أوحي إليهم إلهيّاً سرّ التدبير هذا، فسبقوا وأخبرونا به نحن الذين حصلنا في آخر الأزمان النائلين لمعانه فإذ أخذنا به معرفة إلهيّة نعرف إلهاً وربّاً واحداً ممجّداً بثلاثة أقانيم له وحدَه عابدين حاوين إيمانًا واحدًا ومعموديّةً واحدة التي بها نلبس المسيح، لذلك نعترف بالخلاص ونخبر به ونذيع بالقول والفعل معاً .
في هذا اليوم الذي هو الأحد الأوّل من الصّوم نصنع تذكار تعليق الايقونات المقدّسة الجليلة الذي حصل من ملكَي القسطنطينيّة الدائمَيّ الذكر مخائيل وأمه ثاوذورة على عهد البطريرك مثوديوس القدّيس المعترف .
لما أنظر الأيقونات المُبعَدة إبعاداً منكوراً يُسجد لها بحسب الواجب، فأبتهج مسروراً .
لقد اقتبَسنا إنجيلَ اليوم من يوحنّا، وفيه دعا يسوع فيليبّس إلى أن يتبَعه. وهذا وجهُ نثنائيل الذي استغرب أن يخرج المسيح من قرية صغيرة اسمها الناصرة. إذا ذاك قال له رفيقه فيليبّس : ” تعال وانظر”، أي أنظر إلى وجه هذا المعلّم واستمع إليه قليلاً فترى نفسك منجذباً إليه . وتنتهي القراءة بقول السيّد : ” من الآن ترون السّماء مفتوحةً، وملائكةُ الله يصعدون وينزلون على ابن البشر”.
انعكاس هذا الكلام على أحد استقامة الرّأي، أنّ الأيقونة يمكن أن تكون ملتقاك مع المسيح. هذا بالتأكيد حصل لألوف مؤلّفة في العالم الأرثوذكسيّ. ففي عصور الجهل كانت هي والطقوس تكشف لهم الله . أنت تبصر لطفَ المسيح على أيقوناته، وتأتيكَ نفحاتٌ من التّنقية إن رأيتَ صورة والدة الإله والقدّيسين، إن كانت مرسومة في خشوع الفنّ البيزنطيّ.
المسيحيّة الملتزِمة الواعية لا يمكن تحقيقها إلّا إذا سمعت المسيح يقول : ” تعال وانظر”، أي تعال إليّ في إنجيلي وقدّاسي، هذا الذي وضعته لك لتأكلني فيه، وإذا كنت أكرم عطاء ففي كلّ خدمة إلهية توفّر لك وقتاً وانتباهاً. إذ ذاك ترى السّماء مفتوحة وملائكة الله نازلين وصاعدين ليس فقط على ابن البشر بل عليك أنت حبيبه.
الأب اسبيريدون فياض