«أنر عينيّ لئلاّ أنام إلى الوفاة» – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Saturday March 10, 2018 1001

كان الأقدمون يعتبرون أنّ العين فيها نور وبواسطته نرى الأشياء، لذلك جاء في صلاة النوم الكبرى «أنر عينيّ لئلاّ أنام إلى الوفاة». هناك من ينامون حتّى آخر العمر والنعمة التي تغذّينا هي نعمة الصحو. الآباء الذين نسكوا في البرّيّة وعلّموا عن الحياة في المسيح يقال لهم الآباء اليقظون أو الصاحون. الإنسان الغارق في خضمّ من الأهواء والخطايا لا يعرف نفسه. تقول كنيستنا إنّه ليس على الإنسان أن يعرف خطاياه وحسب، لكن أن يعرف الأهواء أي الأشياء التي تحرّكه وتنبع منها الخطايا.

المهمّ أن نعرف كيف نبصر وكيف ننجو من الفساد. كما أنّ الحياة مع المسيح لها قواعد، كذلك الحياة بدون المسيح، بالرذيلة، لها قواعد تنشأ عليها الرذيلة. من هنا قول صاحب الصلاة «أنر عينيّ لئلاّ أنام إلى الوفاة». النور الإلهيّ الذي ذكرناه الأحد الماضي عندما أقمنا ذكرى القدّيس غريغوريوس أسقف تسالونيكي، النور الإلهيّ، النور الأزليّ المنسكب في القلب بنعمة المعموديّة، يجعلنا ندرك حقيقة الله ومحبّته ويجعلنا ندرك الظلمات التي تحيط بنا.

تعلّم كنيستنا أنّ الروح القدس وحده يسكن في القلب البشريّ وأنّ الشيطان لا يسكن في القلب البشريّ، ولكنّه يرسل سهامه وحرابه إلينا فتضرب القلب. القلب تجرحه الرذائل، الشرور، الخطايا. كيف نعرف هذه الشرور؟ نسلّط عليها أضواء النور. الصلاة هي النور الكبير. الصلاة المستمرّة العميقة لا تتزامن مع الخطيئة. فإمّا أن تزول الخطيئة أو أن تنقطع الصلاة. من هنا أنّنا نقطع يومنا بصلوات كثيرة إذا كنّا متروّضين على محبّة يسوع. نصلّي في الصباح والمساء وعند الغروب وعند الظهر فالإنسان يحدّد لنفسه أوقاتًا يصلّي فيها.

على سبيل المثال إذا صلّى الإنسان قبل خروجه من البيت في الصباح فهذا درع له يقيه السهام التي يتلقّاها في العمل والتعامل. ذكر الله صلاة، ذكر الله المستمرّ لا يتّفق مع الخطيئة. ولهذا تعرف كنيستنا دعاء يُدعى دعاء اسم يسوع: «أيّها الربّ يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ». هذا يكرّره الرهبان وهذا عملهم في القلالي وفي الصوامع. لكن يمكننا نحن أيضًا أن نقول صلاة اسم يسوع في البيت، في الطريق، في السيّارة في أوقات معيّنة حتّى تحلّ علينا حضرة يسوع وتحلّي النفس.

والأمر الثاني الذي يضيء القلب البشريّ هو الكتاب المقدّس حسب ما قال الربّ: «فتّشوا الكتب لأنّكم تظنّون أنّ لكم فيها حياة أبديّة» (يوحنّا ٥: ٣٩). فتّشوا الكتب أي اسهروا كلّ يوم. وكما قال بولس الرسول لتلميذه: «أعكف على القراءة حتّى مجيئي» (١تيموثاوس ٤: ١٣) أي متى جئتُ سأفسّر لك الكتب ولكن قبل ذلك ادرسها، محّصها كلّ يوم لأنّها سراج لرجليك. شبّهنا الكتاب المقدّس بالخوذة والدرع والسيف، سيف الحقّ، سيف الكلمة الذي ينفذ إلى القلب البشريّ، إلى كلّ طبقات القلب وثناياه حتّى لا يبقى وجود إلاّ للنور.

نسلّط أضواء الصلاة والكتاب على القلب حتّى يُضاء فيعرف الإنسان كم هو منسجم في الأعماق مع الربّ ويعرف خطاياه. يأتي البعض إلى الاعتراف ولا يقرّون بالخطيئة لا لأنّهم يخجلون ولكن لأنّهم لا يعرفون. لماذا لا يعرف أحدنا خطيئته؟ لأنّه لا يعرف ربّه. من كانت له محبّة الله يعرف نفسه أوّل الخاطئين حسبما قال بولس الرسول: «إنّ المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطأة الذين أنا أوّلهم» (١تيموثاوس ١: ١٥).

أضواؤنا هي بذاتها تمحّص القلب حسبما قال إرمياء «الله فاحص القلوب والكلى بعدل» (إرمياء ١٧: ١٠). يتسرّب الربّ إلى الداخل البشريّ بعد أن نعرف خطايانا حقًّا. على كلّ منّا أن يحدّد نفسه، أن يعرف أين آثار الشيطان في نفسه: هذا بالكبرياء البشريّ وذاك بالكذب والآخر بالسرقة والرابع بالاحتيال إلى ما هنالك. عندما يعرف الإنسان خطاياه يحاربها بالصلاة والصوم والإنجيل.

طبعًا هناك ترويض روحيّ لنعرف كيف نضرب خطايانا. أعطينا مثل الصوم: إنّه يضرب الشراهيّة بالإمساك، فإذا تروض على أن يأكل قليلاً مدّة أربعين يومًا قد تنتهي منه الشراهة. لكنّ الخطيئة متأهّبة للعودة، من أجل ذلك قال الله «تمّموا خلاصكم بخوف ورعدة» (فيليبّي ٢: ١٢).

الخطيئة تعود ولكنّ المسيح يعود أيضًا، والربّ حاضر في القلب. كلّما تطهّر القلب يصير مصفّحًا لا يخترقه الرصاص. عندئذ نقوى بالمسيح ولكنّنا نخاف السقوط لذلك نبقى تحت الرحمة الإلهيّة باستمرار. من أجل ذلك نمتحن قلوبنا، ندخل في عمق قلوبنا نعرف ما هي ميولنا الحقيقيّة، أين موقفنا من المسيح، هل نحن في صدق معه.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

11 آذار 2018

86 Shares
86 Shares
Tweet
Share86