أن ننتمي إلى كنيسة واحدة لا يعني بالضرورة أن يكون لنا الرأي الواحد في السياسة، أو في غيرها من شؤون هذه الأرض.
أن ننتمي إلى كنيسة واحدة يعني بالضرورة أن تكون لدينا الأخلاق السياسيّة ذاتها.
الكنيسة هي الجماعة المؤمنة التي لا تشترط انتماءً سياسيًّا أو حزبيًّا محدَّدًا من المنتمين إليها. هي ليست حزبًا سياسيًّا أو دينيًّا يسعى إلى الوصول إلى السلطة بأيّ ثمن، وإن على حساب المبادئ الأخلاقيّة السياسيّة التي يقوم عليها الإيمان المسيحيّ.
الكنيسة تحترم تنوّع أبنائها السياسيّ، ما داموا هم لا ينحرفون عن التعاليم الإنجيليّة الأساسيّة. الاختلاف السياسيّ لا يمنع الاتّفاق على القواعد الأخلاقيّة المسيحيّة التي ينبغي أن تقود المسيحيّين إلى تبنّي الخيارات التي تتّفق وبدهيّات التعليم المسيحيّ. وإن اختلف المسيحيّون على موقف سياسيّ معيّن، فعليهم أن يبقوا على الاحترام المتبادل، والثبات على المحبّة، والأمانة للشركة القائمة في القدّاس الإلهيّ.
ثمّة بدهيّات ليست كذلك لدى بعضهم. فمن البدهيّات التذكير بأن لا أحد على الإطلاق، من رجال السياسة أو من رجال الدين، يمكنه أن يزعم أنّه الناطق السياسيّ باسم المسيحيّين. فالمسيحيّة لا تخضع للمقاييس الديمقراطيّة أو الدكتاتوريّة على السواء. ما يحدّد الرأي المسيحيّ، إنّما هو انسجامه مع تعليم يسوع المسيح، لا أعداد المسيحيّين المؤيّدين لهذا الزعيم أو لذاك.
الموقف المسيحيّ، بكلّ ما للكلمة من معنى، ليس هو الموقف النابع بالضرورة من غالبيّة المسيحيّين، بل هو ذاك الصوت النبويّ الذي يذكّر دائمًا بالموقف الواجب اتّخاذه، هنا والآن، وإنْ خالف هذا الموقف الغالبيّة العظمى من المسيحيّين المنساقين إلى أهوائهم وأهواء زعمائهم. فالصوت النبويّ لا يصغي إلاّ لما يقوله الروح للكنيسة، لا يصغي للحم والدم، ولا يفاوض على الحقّ أو يساوم عليه، ولا يرضخ للقوّة أو للسلاح.
أمّا المقصود بالنبوءة، وفق تعاليم العهد الجديد، فليس التنبّوء بما سوف يجري من أحداث مستقبليّة، بل بإعلان مشيئة اللَّه في أوقات الأزمات والمحن. لذلك، ينبغي للمسيحيّ أن يصدع بالحقّ في كل حين، وبخاصّة حين يأتي الانحراف من جانب مسيحيّين آخرين. لا يجوز الصمت حين تُرتكب الانتهاكات باسم المسيحيّة، أو باسم الدفاع عن المسيحيّين أو عمّا يسمّى حقوقهم.
ليس موقفًا مسيحيًّا ذلك الموقف الذي يبرّر الطائفيّة ويزكّيها، أو ذلك الموقف الذي يبرّر العنصريّة ضدّ الغير والتعصّب الأعمى، أو ذلك الموقف الذي يبرّر عدم انصاف المرأة قانونيًّا ومساواتها بالرجل. وليس موقفًا مسيحيًّا ذلك الموقف المتخاذل أمام الظلم والعدوان والاضطهاد والقمع، أو ذلك الموقف المتواطئ مع السفّاحين والقتلة إلى أيّ جهة انتموا.
“أنا الطريق والحقّ والحياة” (يوحنّا 14، 6)، يقول الربّ يسوع.
يسوع هو الطريق، وليس آخر سواه. فإنْ تناقضت طريقه مع طريق مرسومة من سواه، فإنّنا نسير خلفه، لا خلف سواه.
يسوع هو الحقّ، وليس آخر سواه. فإنْ لم يكن حقّ سواه هو حقّه، فلا سبيل إلى التلفيق بينهما.
يسوع هو الحياة، وليس بآخر سواه. فإنْ لم تكن حياتنا قدوتها حياته فإنّنا لا ريب ضالّون.
الموقف المسيحيّ الحقّ هو الموقف المبنيّ على المحبّة التي من دونها تُعدم المسيحيّة أن تكون مسيحيّة. “المحبّة لا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق” (1 كورنثوس 13، 6) يقول الرسول بولس. هذا هو الميزان الوحيد للمسيحيّة. أمّا سوى ذلك، فباطل الأباطيل.
مجلة النور، العدد الثامن 2016، ص 394-395